الوجوب بدون حكمه غير مفيد، فلا يجوز القول بثبوته شرعا، ولهذا قلنا:
إن قتل الأب ابنه لا يكون موجبا للقصاص، والسبب هو العمد المحض موجود والمحل موجود، ولكن لانعدام فائدة الوجوب وهو التمكن من الاستيفاء فإن الولد لا يكون متمكنا من أن يقصد قتل أبيه شرعا بحال.
قلنا: لا يثبت الوجوب أصلا، وهذا أعدل الطرق، ففيه اعتبار السبب في ثبوت الوجوب به إذا كان موجبا حكمه وقد جعله الشرع كذلك، وفيه اعتبار الامر لاثبات ما هو حكم الوجوب به وهو لزوم الأداء أو إسقاط الواجب به عن نفسه. ومن تأمل صيغة الأوامر ظهر له أن موجبها ما قلنا، فإنه قال:
* (أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة) * والإقامة والايتاء هو إسقاط الواجب بالأداء.
وكذلك قوله تعالى: * (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) * وقوله تعالى:
* (وأتموا الحج) * فإن مباشرة فعل الصوم وإتمام الحج يكون إسقاط الواجب والامر لالزام ذلك.
ثم على هذا الطريق يتبين التقسيم في الحقوق، فنقول: أما حقوق العباد فما يكون فيه غرما أو عوضا كالثمن في البيع فالوجوب ثابت في حق الصبي الذي لا يعقل لوجود سببه وثبوت حكمه وهو وجوب الأداء بوليه الذي هو نائب عنه، لان المقصود المال هنا دون الفعل، فإن المراد به رفع الخسران بما يكون جبرانا له أو حصول الربح وذلك بالمال يكون، وأداء وليه كأدائه في حصول هذا المقصود به. وما كان منه صلة له شبه المؤونة كنفقة الزوجات والأقارب فوجوبه ثابت في حقه عند وجود سببه، لان في حق نفقة الزوجات معنى العوضية، وفي نفقة الأقارب معنى مؤونة اليسار، والمقصود إزالة حاجة المنفق عليه بوصول كفايته إليه وذلك بالمال يكون، وأداء الولي فيه كأدائه، فعرفنا أن الوجوب فيه غير خال عن الحكمة