تثبت بالدين والعقل على معنى أن من أصابها فهو عدل ظاهرا، لأنهما يحملانه على الاستقامة ويدعوانه إلى ذلك. والباطنة لا تعرف إلا بالنظر في معاملات المرء، ولا يمكن الوقوف على نهاية ذلك لتفاوت بين الناس فيهما، ولكن كل من كان ممتنعا من ارتكاب ما يعتقد الحرمة فيه فهو على طريق الاستقامة في حدود الدين.
وعلى هذه العدالة نبني حكم رواية الخبر في كونه حجة، لان ما تثبت به العدالة الظاهرة يعارضه هوى النفس الشهوة الذي تصده عن الثبات على طريق الاستقامة، فإن الهوى أصل فيه سابق على إصابة العقل، ولا يزايله بعدما رزق العقل، وبعدما اجتمعا فيه يكون عدلا من وجه دون وجه، فيكون حاله كحال الصبي العاقل والمعتوه الذي يعقل من جملة العقلاء، وقد بينا أن المطلق يقتضي الكامل، فعرفنا أن العدل مطلقا من يترجح أمر دينه على هواه، ويكون ممتنعا بقوة الدين عما يعتقد الحرمة فيه من الشهوات، ولهذا قال في كتاب الشهادات: إن من ارتكب كبيرة فإنه لا يكون عدلا في الشهادة، وفيما دون الكبيرة من المعاصي إن أصر على ارتكاب شئ لم يكن مقبول الشهادة. وكان ينبغي أن لا يكون مقبول الشهادة أصر أو لم يصر، لأنه فاسق بخروجه عن الحد المحدود له شرعا، والفاسق لا يكون عدلا في الشهادة، إلا أن في القول بهذا سد الباب أصلا فغير المعصوم لا يتحقق منه التحرر عن الزلات أجمع، لان لله تعالى على العباد في كل لحظة أمرا ونهيا يتعذر عليهم القيام بحقهما، ولكن التحرر عن الاصرار بالندم والرجوع عنه غير متعذر، والحرج مدفوع، وليس في التحرز عن ارتكاب الكبائر الموجبة للحد معنى الحرج، فلهذا بنينا حكم العدالة على التحرز المتأتي عما يعتقد الحركة فيه، ولهذا قلنا صاحب الهوى إذا كان ممتنعا عما يعتقد الحرمة فيه فهو مقبول الشهادة وإن كان فاسقا في اعتقاده ضالا، لأنه بسبب الغلو في طلب الحجة والتعمق في اتباعه أخطأ الطريق فضل عن سواء السبيل، وشدة اتباع الحجة لا تمكن تهمة الكذب في شهادته وإن أخطأ الطريق، وكذلك الكافر من أهل الشهادة إذا كان عدلا في تعاطيه بأن كان منزجرا عما يعتقد الحرمة فيه، إلا أنه غير مقبول الشهادة على المسلمين