على المرسل، لان الارسال هناك سبب محض وقد اعترض عليه فعل من مختار وهو غير منسوب إلى السبب الأول حين لم تذهب على سنن إرساله حتى يكون سابقا بذلك الارسال، فكان الأول المتقدم شرطا بمعنى السبب، ثم في الوجهين يضاف الهلاك إلى ما اعترض من الفعل دون ما سبق، وفعل الدابة لا يوجب الضمان على مالكها. وعلى هذا قلنا في الدابة المنفلتة: إذا أتلفت زرع إنسان ليلا أو نهارا لم يضمن صاحبها شيئا، لأنه لم يوجد منه علة ولا سبب ولا شرط يصير به الاتلاف مضافا إليه. وعلى هذا قال أبو حنيفة وأبو يوسف رضي الله عنهما: إذا فتح باب القفص فطار الطير أو فتح باب الاسطبل فندت الدابة في فور ذلك، فإن الفاتح للباب لم يضمن شيئا، لان فعله شرط لأنه إزالة المانع من الانطلاق وذلك شرط الانطلاق، ثم اعترض عليه فعل من مختار غير منسوب إليه، فكان الأول شرطا في معنى السبب فلا يصير الهلاك مضافا إليه، وقد اعترض عليه ما هو العلة، بخلاف حفر البئر إذا وقع فيه الماشي، فإن ما اعترض هناك من مشيه لا يصلح أن يكون علة الاتلاف حين لم يكن عالما بعمق ذلك المكان، حتى لو أوقع نفسه في البئر لم يضمن الحافر شيئا، لان ما اعترض علة صالحة للحكم وهو فعل حصل من مختار على وجه القصد إليه، ولهذا لو مشى على قنطرة واهية موضوعة بغير حق وهو عالم به فانخسفت به لم يضمن الواضع شيئا، وكذلك إذا مشى في موضع من الطريق قد صب فيه الماء وهو عالم به فزلقت رجله. ولكن محمدا رضي الله عنه يقول فعل الدابة هدر شرعا وهو غير صالح لإضافة الحكم إليه فيكون مضافا إلى الشرط السابق الذي هو في معنى السبب، بخلاف فعل العبد من الاباق فإنه صالح شرعا لإضافة الحكم إليه. والجواب لهما أن فعل الدابة لا يصلح لايجاب حكم به، ولكن يصلح لقطع الحكم، ألا ترى أن في الدابة التي أرسلها صاحبها في الطريق إذا جالت يمنة أو يسرة اعتبر فعلها في قطع حكم إرسال صاحبها. وكذلك الصيد إذا خرج من الحرم يعتبر فعله في
(٣٢٦)