ما وجد صورته بكلماته من المولى، وعند وجود الشرط يوجد التحرير حقيقة فيثبت به حكم العتق. وعلى هذا حكم العبادات والمعاملات، فإنها تعلقت بأسباب جعلها الشرع سببا للوجوب كما بينا، ثم وجود العلة حقيقة يتأخر إلى وجود ما هو شرط فيه وهو العلم به أو ما يقوم مقام العلم به، حتى إن النص النازل قبل علم المخاطب به جعل في حقه كأنه غير نازل، ولهذا قلنا:
من أسلم في دار الحرب ولم يعلم بوجوب العبادات عليه حتى مضى زمان ثم علم بذلك فإنه لا يلزمه قضاء شئ باعتبار السبب في الماضي، وإذا أسلم في دار الاسلام يلزمه القضاء لا لان العلم ليس بشرط ولكن لان شيوع الخطاب في دار الاسلام وتيسير الوصول إليه بأدنى طلب يقوم مقام وجود العلم به، فتصير العلة موجودة حقيقة بوجود الشرط حكما، وعلى هذا تؤدى العبادات بأداء أركانها نحو الصلاة، فإن أركانها القيام والقراءة والركوع والسجود، ثم لا يوجد الأداء بها إلا بعد وجود الشرط وهو النية والطهارة. وكذلك المعاملات، فإن ركن النكاح وهو الايجاب والقبول لا يوجد به انعقاد العقد إلا عند وجود الشرط وهو الشهود، ثم هذا النوع من الشرط إنما يعرف بصيغته أو بدلالته، فمتى وجد صيغة كلمة الشرط لم ينفك عن معنى الشرط.
والذي قاله بعض المتأخرين من مشايخنا في قوله تعالى: * (فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا) * إنه مذكور على سبيل العادة، وإنه لا فائدة فيه سوى أن الحاجة إلى الكتابة أمس في هذه الحالة، قال رضي الله عنه: هذا ليس بقوي عندي، لان تحت هذا الكلام أنه ليس في ذكر هذا الشرط فائدة معنى الشرط، وكلام الله تعالى منزه عن هذا، بل فيه فائدة الشرط.
وبيانه أن الامر للايجاب تارة وللندب أخرى، والمراد الندب هنا بدليل ما بعده وهو قوله: * (وآتوهم من مال الله الذي آتاكم) * فإنه للندب دون الايجاب، وعقد الكتابة وإن كان مباحا قبل أن يعلم فيه خيرا فإنما يصير مندوبا إليه إذا علم أن فيه خيرا، فظهر فائدة الشرط من هذا الوجه. وكذلك قوله تعالى: * (ومن لم يستطع منكم طولا) * فإنه غير مذكور على وفاق العادة عندنا بل لبيان الندب، فإن نكاح الأمة مع طول الحرة وإن كان مباحا