تعالى: * (ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شئ) * وقال تعالى: * (ما فرطنا في الكتاب من شئ) * وقال تعالى: * (ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين) * ففيها بيان أن الأشياء كلها في الكتاب إما في إشارته أو دلالته أو في اقتضائه أو في نصه، فإن لم يوجد في شئ من ذلك فبالابقاء على الأصل الذي علم ثبوته بالكتاب وهو دليل مستقيم، قال تعالى: * (قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه) * الآية، فقد أمره بالاحتجاج بأصل الإباحة فيما لا يجد فيه دليل الحرمة في الكتاب، وهذا مستمر على أصل من يقول الإباحة في الأشياء أصل، وعلى أصلنا الذي نقول: إنما نعرف كل شئ بالكتاب، وهذا معلوم بقوله تعالى: * (هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا) * فإن الإضافة بلام التمليك تكون أدل على إثبات صفة الحل من التنصيص على الإباحة فلم يبق الرأي بعد هذا إلا لتعرف الحكمة والوقوف على المصلحة فيه عاقبة وذلك مما لا مجال للرأي في معرفته، فإن المصلحة في العاقبة عبارة عن الفوز والنجاة، وما به الفوز والنجاة في الآخرة لا يمكن الوقوف عليه بالرأي، وإنما الرأي لمعرفة المصالح العاجلة التي يعلم جنسها بالحواس ثم نستدرك نظائرها بالرأي، وهذا مثل ما قلتم إن تعليل النصوص بعلة لا يتعدى إلى الفروع باطل، لأنها خالية عن إثبات الحكم بها فالحكم في المنصوص ثابت بالنص فلا يكون في هذا التعليل إلا تعرف وجه الحكمة والوقوف على المصلحة في العاقبة والرأي لا يهتدي إلى ذلك. ومنها قوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله) * وقال تعالى: * (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) * * (الظالمون) * * (الفاسقون) * والعمل بالرأي فيه تقدم بين يدي الله ورسوله وهو حكم بغير ما أنزل الله، فإن طريقة الاستنباط بآرائنا وما يبدو لنا من آرائنا لا يكون مما أنزل الله في شئ، إنما المنزل كتاب الله وسنة رسوله، فقد ثبت أنه ما كان ينطق إلا عن وحي، كما قال تعالى: * (إن هو إلا وحي يوحى) * وقال تعالى * (لتبين للناس ما نزل إليهم) * وإنما الحكم بالرأي من جملة ما قال الله تعالى: * (ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام) * الآية، واستدلوا بآثار: فمن ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال: لم يزل بنو إسرائيل على طريقة مستقيمة حتى كثر فيهم أولاد السبايا، فقاسوا ما لم يكن بما
(١٢٠)