فالمعترض بما وصفنا جاهل بطريقة القياس في أحكام الشرع، وهذه التي نسبها علة الحكم جارية عندنا مجرى الاسم إذا علق به الحكم، فيجري الحكم عليه حيث وجد.
ولا يمنع أن يكون ما تحت الاسم مختلفا، واختلافه لا يمنع من اعتبار الحكم فيما شمله الاسم، نحو قول النبي صلى الله عليه وسلم: (فيما سقت السماء العشر)، وما سقت السماء أجناس مختلفة. واختلافها لا يمنع من اعتبار الحكم فيما شمله الاسم، نحو إجراء الحكم على الاسم، لشموله جميعها في كونه علامة الحكم. كذلك العلة التي يجب بها القياس، جعلت علامة للحكم بالدلائل الموجبة له، يجب اعتبارها في سائر ما وجدت فيه، من مختلف ومتفق على الحد الذي بينا في الاسم، وسنذكر إن - شاء الله تعالى - (فيما بعد) كيفية وجوه الاستدلال على المعاني التي هي ملك للأحكام وأمارات لها، وإنما ذكرنا هنا مثالا لنبين به إغفال المعترض بما ذكرنا حقيقة قول القائسين، وجهله بمذاهبهم.
وهذه الأسئلة التي ذكرناها، إنما هي لقوم متكلمين من نفاة القياس، وقد سرقها بعض أهل الحشو ممن ليس له حظ في هذا الشأن، فتكلم عليها بما لا أحسبه عرف معناه على الحقيقة، وهو مع ذلك ينفي حجج العقول، فناقض في استعماله لها في هذا الموضع إلا أن يقول: إني إنما قلدت في هذا الحجاج من تقدمني من المتكلمين.
فنقول له: فهلا قلدتنا في جوازه. دون من اخترت تقليده في نفيه؟ وعلى أنه لا يعترف بتقليدهم، لأنه معهم في طرفي نقيض في اعتقاد أصول الدين، إذ كان لو قصد قاصد إلى أن لا يعتقد إلا شر المذاهب وأقبحها وأشنعها، ثم استفرغ جهده فيه لم يبلغ مبلغه في سوء الاختيار، وقبح الاعتقاد (إلا بخذلان الله إياه).