واجب في العقل: فيرد العقل بإيجابه، تأكيدا لما كان في العقل من حاله، وذلك نحو التوحيد، وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم، وشكر المنعم، و الانصاف، وما جرى مجراه.
والثاني: محظور في العقل: فيرد الشرع بحظره، تأكيدا لما كان في العقل، وهذان البابان لا يجوز ورود الشرع فيهما بخلاف ما في العقل، ولا يجوز فيهما النسخ والتبديل.
وقسم ثالث: وهو واسطة بينهما، ليس في العقل حظره ولا إيجابه، إلا على حسب ما تقتضيه حاله: من حسن، أو قبح، وفي العقل تجويز كونه من حيز الواجب، أو المحظور، أو المباح.
فإذا حظره السمع علمنا قبحه، وإن أوجبه أو أباحه، علمنا حسنه، فإذا ثبت ذلك ووجدنا الله تعالى قد أباح لنا التصرف في المباحات بحسب رأينا واجتهادنا في اجتلاب المنافع لأنفسنا بها، ودفع المضار عنها، نحو التصرف في التجارات، والرحلة للأسفار، طلبا للمنافع في زراعة الأرضين، وأكل الأطعمة، والتعالج، والأدوية، على حسب اجتهادنا.
والغالب في ظنوننا: أنا نجتلب بها نفعا، ولو غلب في ظنوننا انا لا نجتلب بها نفعا، أو (ندفع) بها ضررا، لكان تصرفنا فيها قبيحا، وعبثا، وسفها، ثم كانت إباحته ذلك لنا على (هذه الوجوه) مصلحة، ودلالة على حسنه، مع كون هذه الضروب من التصرف موكولة إلى اجتهادنا، ومقصورة على مبلغ آرائنا، وغالب ظنوننا.
وقد كان قادرا على أن يتولى ذلك لنا، ويكفينا المؤنة فيه، كما كفانا أكثر أمورنا التي حاجتنا إليها ضرورة، ولكنه وكل ذلك إلى آرائنا واجتهادنا، لما علم لنا فيه من المصلحة