ألا ترى أن المجامع في الفرج تلزمه الكفارة لحصوله إفطاره بمقدار من المأثم، وأن المجامع فيما دون الفرج لا يلزمه الكفارة، لقصور مأثمه عن مأثم المجامع، وأن وجوب الحد يتعلق بالمجامع في الفرج، ولا يتعلق بالجماع فيما دون الفرج لاختلافهما (في) مقدار الإثم، وكان اعتبارا المأثم الذي مقداره مقدار مأثم المجامع فيما يحصل به الافطار أولى من اعتبار الاكل على الإطلاق، لتعلق الحكم به على الوجه الذي ذكرنا.
ومن نظائر ذلك: احتجاج المخالف في المختلعة لا يلحقها الطلاق، وإن كانت في العدة بأنها بائنة منه، أو بأنها لا يصح الظهار منها.
ويستدل على صحة المعنى باتفاق الجميع على وقوعه قبل البينونة، واتفاقهم جميعا على امتناع وقوعه بعد انقضاء العدة، فدل ذلك على أن العلة في منع وقوع الطلاق بعد انقضاء العدة أنها بائن منه، أو أنها لا يلحقها ظهاره.
فأنت حينئذ بالخيار إذا كان خصمك مجيبا إن شئت عارضته على هذه العلة قبل النظر في صحة استدلاله، فننصب إيقاع علة بإزائها ونستدل عليها بمثل دلالته عليها، بأن يقول له: ما أنكرت أنها لما كانت معتدة (منه عن طلاق، وجب أن يملك إيقاع بقية طلاقها بدلالة اتفاقنا جميعا على أنها إذا كانت معتدة) من طلاق رجعي كان زوجها مالكا لإيقاع بقية طلاقها، بعلة أنها معتدة من طلاق.
والدليل على صحة هذه العلة: أنها متى انقضت علتها لم يلحقها طلاقه، لزوال العلة التي وصفها ما ذكرنا، وما دامت معتدة لحقها طلاقها، فدل على صحة المعنى لوجود الحكم بوجوده (وارتفاعه بارتفاعه)، فإذا عارضته بذلك فقد سقط اعتلاله واستدلاله عليه.
فإن رام حينئذ ترجيح علته بشئ آخر لم يصح له ذلك، ويكون حينئذ منتقلا عن استدلاله الأول، ويكون هذا ضربا من الانقطاع، لأنه قد تضمن بدءا تصحيح علته بما ذكر من استدلاله غير مضمن، بمعنى غيره.