وكان كذلك أن قال: اتفقنا أن من بلع حصاة لم تلزمه كفارة، والمعنى فيه أنه أفطر بالاكل بدلالة أن الجماع يوجبها، والاكل على هذا الوجه لا يوجبها فصار الحكم متعلقا بوجود الاكل زائلا بزواله.
فيقال له: قد غلطت في دعواك أن الحكم تعلق بوجود الحكم وزال بزواله، وإنما تعلق بمعنى آخر (قارن الاكل وزال بزواله لا بالمعنى) الذي ادعيت، لان الأصل الذي استشهدت به إذا اشتمل على أوصاف ثم وجدنا الحكم قد يجب بوجود وصفين أو ثلاثة ويزول بزوالها، فليس لك أن تجعل الحكم متعلقا ببعض تلك الأوصاف، إلا ولخصمك أن يعلقه بوصف آخر وبباقي الأوصاف، فإذا كان الذي بلع الحصاة قد اشتمل فعله ذلك على وصفين:
أحدهما، أنه أكل، والثاني: أن مأثمه دون المجامع، ودون مأثم آكل الطعام، فلست بأسعد بجعلك الاكل على الإطلاق علة للحكم من خصمك بجعله حصول إفطاره بمأثم، دون مأثم المجامع علة في ذلك، ويكون ذلك علة صحيحة لتعديها إلى فرع فيه، وهو قول مالك في إيجابه الكفارة على كل مفطر غير معذور.
ثم يعارضك في استدلالك بمثل دلالتك على صحة المعنى بوجود الحكم بوجوده، وارتفاعه بارتفاعه، فلا تحصل حينئذ إلا على دعوى مجردة في قولك: إن الحكم كان موجودا (بوجود الاكل) على الإطلاق، معدوما بعدمه، ثم ينفصل خصمك منك، ويسقط معارضتك إياه، فإن لمعنى الذي اعتبره في مقدار المأثم تأثيرا في إيجاب الحكم، ولزواله تأثير في زواله.