باب وصف العلل الشرعية وكيف استخراجها قال أبو بكر: العلل الشرعية سبيلها أن تكون وصفا للأصل المعلول. ولا فرق بين أن يكون ذلك الوصف لازما للأصل لا يزايله، وبين أن لا يكون لازما، بل يكون موقوفا على عادات الناس فيه.
فمن الأوصاف اللازمة للأصل: ما هي علة فيه، نحو صفة دم الاستحاضة أنه دم عرق، وكون دم عرق صفة لازمة لسائر الدماء الخارجة من بدن الانسان، ما خلا الحيص والنفاس، وجعل النبي صلى الله عليه وسلم هذا الوصف علة لنقض الطهارة.
ومما لا يكون وصفا لازما للأصل، وإنما يلحقه الصفة على حسب عادة الناس في التعامل به: الكيل والوزن في المكيلات والموزونات. وليس ذلك صفة لازمة للأصل المعلول. إذ جائز أن يترك الناس التعامل بهما كيلا، أو وزنا.
ولا فرق عندنا بين ما هذا وصفه من المعلول، وبين الأوصاف اللازمة للأصل مما لا يفارقه. وليس لكون هذا الوصف غير مفارق له من مزية على الآخر في باب العلل.
ألا ترى أن مخالفنا قد جعل الشدة علة لتحريم الخمر؟ وقد يجوز أن يفارقها فيصير خلا.
قال أبو بكر: وقد يكون علة الحكم وصفين من أوصاف الأصل وأكثر، وقد يكون وصفا واحدا.
وغير جائز أن يكون جميع أوصافه علة للحكم، فإذا كانت العلة ذات أوصاف فجميع تلك الأوصاف علة واحدة.
وغير جائز أن يقال: إن كل وصف منها علة، لان العلة ما يوجب الحكم. ولو كان كل وصف مما ذكرنا علة، لوجب أن يكون موجبا للحكم بانفراده.