قيل له: ليس هذا مما ذكرنا في شئ، من قبل ترك القياس إلى قياس آخر، إنما يكون في المواضع التي يكون كل واحد من القياسين (مبنيا على أصول توجبه، فيتساويان من جهة دلالة الأصول عليهما، ثم يختص أحد القياسين) بضرب من الرجحان يوجب الحاق الفرع به دون الآخر.
وأما مسألتنا فإنما هي في قياس توجبه الأصول، متفق على صحته في الأصل. ثم يرد أثر بخلاف موجب القياس، فيخص ما ورد فيه من جملته، فيجب حينئذ تسليم ما خصه الأثر، وليس هناك قياس أصول أخر غير ما يريد (فيه) قياسه على الأثر، فكان حكم القياس الأصلي ثابتا على الوصف الذي ذكرنا، غير جائز تركه لما بينا.
فإن قيل: فقد قلتم في المتابعين إذا اختلفا في الثمن: إن القياس أن يكون القول قول المشتري مع يمينه، وأن لا يتحالفا، وتركتم القياس للأثر في إيجاب التحالف والتراد، ثم قستم عليه الاختلاف في الإجارة.
قال أبو بكر: كان (الشيخ) أبو الحسن يقول: القياس ما ورد به الأثر، لان كل واحد منهما مدع لاستحقاق ملك العين بوجه يدعيه، يخالفه الآخر فيه.
وقولهم: إن القياس أن يكون القول قول المشتري إنما هو قياس على أصل، وهناك أصل آخر يوجب التحالف والتراد غير الأثر، فإنما ذكروا أحد وجهي القياس.
والكلام في بيان هذه المسألة بعينها خروج عما نحن فيه. ولكنا أردنا أن نبين لهم أنهم لم يريدوا بقولهم: القياس عندي كذا، أن الأصول موجبة لهذا القياس، فالسؤال من هذا الوجه ساقط عنا فيما نحن فيه.
وكان أبو الحسن يجيب عن سؤال الإجارة مع تسليمه لصحة السؤال، وأن القياس يمنع إيجاب التحالف. وإنما خص حال الإحلاف بالأثر، لأنا لم نوجب التحالف في الإجارة قياسا على البيع، بل القياس نفسه يوجبه في الإجازة كسائر الدعاوي، لأن كل جزء من