فإن قيل: يلزمك على هذا الأصل قياس سائر الأنبذة على نبيذ التمر، في جواز الوضوء، به لقوله صلى الله عليه وسلم: (ثمرة طيبة وماء طهور) لان نبيذ الزبيب زبيب طيب، وماء طهور.
ويلزمك أن تقيس الاكل في الصلاة على الاكل في الصوم، وقياس المكره على الآكل ناسيا، لتعليل النبي صلى الله عليه وسلم الآكل ناسيا في الصوم (بأن الله تعالى أطعمه، وسقاه) وذلك موجود في المكره، وفي الذي يظن أن الشمس قد غابت، والذي يظن أن الفجر لم يطلع، فأكل، لان الله تعالى قد أطعمهم وسقاهم، حين أباح لهم الأكل في هذه الأحوال.
قيل له: لا يجب ذلك من وجهين:
أحدهما: أن ما علل به نبيذ التمر، غير موجود في سائر الأنبذة، لأنه قال: (ثمرة طيبة وماء طهور) وهذا المعنى غير موجود في نبيذ الزبيب.
والوجه الآخر: أن من يوجب اعتبار القياس في ذلك يجعل مراد قوله (ثمرة طيبة وماء طهور) أن أصل التمر (طيب) والماء طاهر، فلا يمنع ما عرض في الماء والتمر من الاستحالة إلى النبيذ من جواز الوضوء به. وهذا الاعتلال غير معتبر عند جميع الفقهاء.
لأنه لو وجب اعتباره لجاز الوضوء بالخل لطيب (الأصل) الذي كان فيه، وطهارة الماء الذي خالطه، ولجاز الوضوء بالمرق، وماء الورد، لهذه العلة.
وهذا القياس مدفوع عند الجميع.
وعلى هذا المنهاج نقول في قوله (إن الله أطمعك وسقاك) على الوجهين اللذين ذكرنا في قوله: (ثمرة طيبة وماء طهور) من قبل أن قوله: إن الله أطعمك وسقاك، لا يوجد في غير الآكل والشارب.