سلك النظام التام فيكون العلم الفعلي محيطا لها، فيلزم الجبر، وهو باطل.
والجواب: (1) ان الممكنات المترتبة بعضها على بعض على سبيل العلية والمعلولية لها اعتباران: تارة يلاحظ وجودهما في الخارج، وأخرى علية بعضها لبعض، فما يؤثر علم الباري فيه هو ترتب الممكن بالاعتبار الأول دون الثاني، فإن العلية غير قابلة للجعل، بل هي تابعة لذات الأشياء، وكذا المعلول.
والحاصل: ان منشأ المؤاخذة يحتمل أحد أمرين:
(الأول) إرادة المكلف الفعل كما هو مختار صاحب الكفاية.
وفيه: أن مجرد الإرادة - إن كانت مصححة لحسن المؤاخذة - لحسن مؤاخذة الحيوانات بأفعالها، لان لها أيضا إرادات تصدر منها الافعال الإرادية، كما لا يخفى.
(الثاني) اختيار المكلف بمعنى أن له رقائق ذاتية فبرقيقة الروح العلوي يميل إلى عالم العلويات، وبرقيقة الجهل السفلي يميل إلى عالم السفليات، ومع ذلك له عقل حاكم بالحسن والقبح على القول بهما (كما هو الحق)، وبوجوب دفع الضرر المحتمل مطلقا مضافا إلى تأيده بإرسال الرسل وإنزال الكتب وجعل الشرايع.
فإذا رجح مع ذلك كله الهوى النفسانية يكون هذا اختيارا موجبا لحسن المؤاخذة.
ويؤيد ما ذكرناه قوله تعالى: هل أتى على الانسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا × إنا خلقنا الانسان من نطفة أمشاج (2) نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا × إنا هديناه السبيل (3) إما شاكرا وإما كفورا (4).
فانقدح بذلك دفع توهم أن أفعالنا غير مستندة إلينا، بل الإرادة المسبوقة