قليلا أو كثيرا فالعقل يحكم بلزوم رفع اليد عن الكثير، فيحكم بالحرمة الشرعية والوجوب العقلي المندك في الحرمة الشرعية (1).
وبعبارة أخرى: الوجوب العقلي (2) منتزع من عدم جواز التصرف في مال الغير كما أن الامر بالشئ عين النهي عن ضده العام، والنهي عنه عين الامر بضده.
وأما احتمال أن المقام نظير شرب الخمر الموجب لحفظ النفس في كونه واجبا مقدميا فقياس مع الفارق، فإن حفظ النفس موجب لايجاد مصلحة ملزمة أقوى من مفسدة شرب الخمر، وقد قلنا: إن هذا غير المقام الذي هو كون مجرد الاضطرار موجبا لوجوب ذلك، فافهم.
وأما قول الشيخ رحمه الله بأن الخروج عن دار الغصب بما هو لا يمكن أن يتعلق به النهي إلا مقيدا بالدخول وبعد الدخول لا يمكن النهي أيضا، لعدم القدرة على ترك المنهي عنه.
وبعبارة أخرى: لا يمكن توجه النهي عن الخروج إليه مطلقا، لا قبل النهي لعدم وجود شرطه الذي هو الدخول، ولا بعده لاضطراره إلى التصرف.
فمسلم إذا كان الخروج بعنوانه منهيا عنه، وليس كذلك، فإن النهي تعلق من الأول بالتصرف في مال الغير، فله فردان: التصرف الدخولي، والتصرف الخروجي.
وقد يجاب عن الشيخ رحمه الله بعدم كون التصرف الخروجي الذي هو ضد ترك الغصب مقدمة، فإن أحد الضدين وجودا وعدما، لا يكون مقدمة للآخر.
ورد هذا الجواب بأن مراد الشيخ رحمه الله من الواجب الذي يكون الخروج مقدمة له، هو تخليص مال الغير عن التصرف لا الكون في خارج الأرض المغصوبة.
وفي الجواب والرد كليهما نظر.