لكن الانصاف أن هذا أيضا إحالة على المجهول، لان الكلام في تشخيص هذه المعاني وتمييزها، لان الكلام فيما إذا صدر من المتكلم كلام له مفهوم بحيث يمكن الاحتجاج به على ثبوت المدعى كما في المنطوق، وهذا ليس كذلك.
ويمكن أن يقال - في مقام التحقيق -: إن التدبر في كلمات المتقدمين من الأصوليين يعطي أنه إذا كان مضمون الجملة الشرطية غير متضمن إلا لعلية الشرط للجزاء من دون قيد زائد فليس له مفهوم، مثل قول الطبيب للمريض: إن شربت السقمونيا فهو مسهل، فإن القضية تصير عند الانحلال هكذا: السقمونيا مسهل، ولا يكون قيدا زائدا على الموضوع والمحمول، نظير قوله عليه السلام - بعد سؤال الراوي عن غدير ماء وقع فيه الكلام والعذرة مثلا -: (الماء إذا بلغ قدر كر لا ينجسه شئ) (1) حيث إن الموضوع والمحمول في هذه القضية عبارة عن الماء وتنجسه أو عدم تنجسه وبلوغ الماء قدر الكر قيد زائد عليهما، فيمكن حينئذ أن يقال: إن له مفهوما.
فانقدح بذلك أن ما يقال (2) من أن النزاع في ثبوت المفهوم وعدمه - لا في حجيته وعدمها مع فرض الثبوت - ليس على ما ينبغي، لأنا قد بينا أن ما كان من قبيل الثاني - أعني اشتماله على قيد زائد - فالمفهوم ثابت له حذرا عن لزوم لغوية القيد الزائد، ويعلم ذلك بعد المراجعة إلى استدلالاتهم على الانتفاء عند الانتفاء في مفهوم الشرط والوصف والغاية.
ولهذا استدل السيد المرتضى رحمه الله على عدم الدلالة بإمكان قيام قيد آخر مقام القيد الأول واستشهد بقوله تعالى: واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان الآية (3) حيث تقوم امرأتان مقام الشاهد الواحد، وعند فقدهما يقوم يمين المدعي مقامهما.