لا إشكال في كون الاضطرار رافعا للحكم في صورة عدم الالتفات مطلقا، وأما في صورة الالتفات فيمكن أن يكون كذلك أيضا بضميمة أن الاضطرار الفعلي موجب للرفع، والمفروض أنه موجود.
لكن يقع البحث في أنه هل الحرمة باقية أم لا؟ الأظهر الثاني، لان رفع الحرمة إما أن يكون بالعقل أو دليل الرفع، وشئ منهما لا يدل على ارتفاع الحرمة.
الثالثة: أن الحرمة والوجوب تابعان للمفاسد والمصالح الواقعية، فلو كان أحدهما غالبا على الاخر حكم بمقتضاه من الوجوب أو الحرمة، وحينئذ لو غلبت الحرمة لغلبة المفسدة واضطر إلى فعله ارتفعت الحرمة الظاهرية ولم يوجب ذلك أن يؤثر ذلك الوجوب لان رفعه لم يكن لفعلية الحرمة بل لكون الفعل ذا مفسدة، والمفروض في المقام كذلك، وملاك كون الشئ غير واجب، هو مزاحمته بالمفسدة لا بالحرمة التي هي حكم تكليفي كي يرتفع بارتفاعه.
فقول صاحب الكفاية قدس سره: إن الوجوب يعود بعد اضطراره إلى الحرمة بملاكه الذي كان قبل الاضطرار مندفع.
والحاصل: أنه إذا كان شئ له مصلحة ومفسدة أقوى منها فلا محالة يكون حراما ومانعا من اقتضاء تلك المصلحة الوجوب، فإذا جاء الاضطرار رفع الحرمة وتبقى المانعية لأنها لم تكن لأجل الحرمة، بل لكون هذا الفعل ذا مفسدة أقوى، اللهم إلا أن يحدث مصلحة أقوى منها بعد الاضطرار.
ألا ترى إلى قوله تعالى: يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما (1)، دلت الآية الشريفة على أن للخمر والميسر مصلحة بحيث لو لم تكن مزاحمة بمفسدة أقوى منها لكانت مقتضية للرجحان، لا أقل من الندب، فإذا اضطر إلى شربه لم يكن هذا الاضطرار موجبا لوجوبه أو استحبابه الا أن يكون شربها بطبابة الأطباء الحاذقين - مثلا مع كونه