الايصال إلى الواقع، فالصحيح في الجواب عن الاشكال المذكور ان يقال: ان إلزام المكلفين بتحصيل العلم وان فرض انفتاح بابه حرج علي نوع المكلفين، ومناف لكون الشريعة المقدسة سهلة سمحة، فلو قدم الشارع الحكيم مصلحة التسهيل على النوع على مصلحة الواقع الفائتة عند مخالفة الامارة للواقع لا يتصور فيه قبح، وكم للشارع أحكام مجعولة لغرض التسهيل على النوع مع اقتضاء المصلحة الواقعية خلافها، كالحكم بطهارة الحديد، ومقتضى الروايات الدالة على أن في الحديد بأسا شديدا هو الحكم بنجاسته، إلا أن الله سبحانه وتعالى حكم بطهارته تسهيلا على العباد، لتوقف كثير من أمور معاشهم على استعمال الحديد فكان الحكم بنجاسته موجبا للعسر والحرج على المكلفين. فتحصل أن تفويت المصلحة الواقعية أو الالقاء في المفسدة أحيانا لا يوجب امتناع التعبد بالامارة إذا كان فيه مصلحة نوعية.
هذا مضافا إلى أن غالب الامارات بل جميعها طرق عقلائية لا تأسيسية من قبل الشارع، ومن الواضح ان ردع العقلاء عما استقر بناؤهم عليه في أمور معاشهم يحتاج إلى مصلحة ملزمة، كما إذا كان الطريق غالب المخالفة للواقع، كالقياس، ولذا ورد النهى عن العمل به، وأما لو لم تكن مصلحة ملزمة في الردع كما إذا كانت مخالفة الامارة للواقع قليلة في جنب مصلحة التسهيل، فلا وجه للردع أصلا. على أن الالتزام بامتناع التعبد بالامارة في فرض انفتاح باب العلم مما لا يترتب عليه اثر عملي، إذا الانفتاح مجرد فرض لا واقع له، حتى في زمان حضور المعصوم عليه السلام فان العلم بالواقع في جميع الأحكام - ولا سيما في الشبهات الموضوعية - ممتنع عادة حتى لأصحاب الإمام عليه السلام، إذا لا يمكن الرجوع إلى نفس المعصوم في كل مسألة وكل شبهة حكيمة وموضوعية في كل وقت وساعة كما هو واضح. فتحصل انه لا مانع من التعبد بالامارة من ناحية الملاك.