إذا لا منافاة بين حكمين أحدهما مجعول للشئ بطبعه، والآخر مجعول له بعنوان عرضي طاري، عليه، كما يقال ان لحم الغنم حلال بطبعه، وان كان قد يعرضه ما يوجب حرمته، كعنوان الضرر. ولحم الأسد حرام بطبعه وان كان قد يطرأ عليه ما يوجب حليته، كعنوان الاضطرار، فكما لا منافاة بين الحلية الطبعية والحرمة العرضية أو العكس في هذه الموارد، كذلك لا منافاة بين الحكم الواقعي المجعول للشئ بطبعه، والحكم الظاهري المجعول له بعنوان عرضي، وهو قيام الامارة على الخلاف - فقيه ان هذا تصويب منسوب إلى المعتزلة، وهو وان لم يكن كسابقة في الشناعة، إلا أنه أيضا فاسد بالاجماع والروايات، كما تقدم مرارا. وان كان مراده ان الحكم الواقعي ثابت مع قطع المنظر عن قيام الامارة على نحو الاهمال - فلا يكون مطلقا حتى يلزم التضاد، ولا مقيدا بالعلم كي يلزم التصويب - ففيه ما ذكرناه مرارا من أن الاهمال في مقام الثبوت غير معقول، فلا مناص من أن يكون مطلقا، فيلزم محذور اجتماع الضدين، أو مقيدا فيلزم التصويب.
وأما ما ذكره من أن الحكم الواقعي انشائي، فان أراد منه الانشاء المجرد عن داعي البعث والزجر، كما إذا كان بداعي الامتحان أو الاستهزاء أو غير هما، ففيه أن الالتزام بذلك نفي للحكم الواقعي حقيقة، إذ الانشاء بلا داعي البعث والزجر لا يكون حكما، وانما يكون مصداقا لما كان داعيا إلى الانشاء: من الامتحان والاستهزاء ونحوهما، وعليه فالتصويب باق بحاله، مضافا إلى أنه إذا لم يكن الانشاء بداعي البعث والزجر، ولم يكن الحكم الواقعي حكما حقيقيا، لا تجب موافقته ولا تحرم مخالفته، فلا يبقى مجال لوجوب الاحتياط في الشبهات الحكمية قبل الفحص، ولا لاستحبابه بعده فيها وفي الشبهات الموضوعية مطلقا، بل لا يبقى مورد للفحص، إذا ليس هناك حكم يجب الفحص