بلا حاجة إلى التخصيص، والحكم بالضمان مستند إلى عموم أدلة الضمان من قاعدة الاتلاف أو اليد أو غيرهما مما هو مذكور في محله، ولما ذكرناه من أن الحديث الامتناني لا يشمل كل مورد يكون منافيا للامتنان على أحد من الأمة، قلنا في باب البيع بصحة بيع المضطر وفساد بيع المكره، مع أن الاضطرار والاكراه كليهما مذكور ان في حديث الرفع، لان رفع الحكم عن بيع المضطر مناف للامتنان عليه، فلا يكون مشمولا لحديث الرفع، بخلاف بيع المكره، فان الرفع فيه لا يكون منافيا للامتنان عليه، بل يكون امتنانا عليه، فيكون مشمولا لحديث الرفع. وهذا هو الوجه في التفكيك بين بيع المضطر والمكره في الحكم بصحة الأول وفساد الثاني.
وأما الاحكام المجعولة في الديات والحدود والقصاص والحج والجهاد، فهي خارجة عن قاعدة لا ضرر بالتخصص لا بالتخصيص، لأنها من أول الامر جعلت ضرورية لمصالح فيها، كما قال سبحانه وتعالى: (ولكم في القصاص حياة يا أولى الألباب) وحديث لا ضرر ناظر إلى العمومات والاطلاقات الدالة على التكاليف التي قد تكون ضررية، وقد لا تكون ضررية، ويقيدها بصورة عدم الضرر على المكلف، فكل حكم جعل ضرريا بطبعه من أول الامر لا يكون مشمولا لحديث لا ضرر، فلا يحتاج خروجه إلى التخصيص.
وأما الخمس فتشريعه لا يكون ضررا على أحد، لان الشارع لم يعتبره مالكا لمقدار الخمس، حتى يكون وجوب إخراجه ضررا عليه، بل اعتبره شريكا مع السادة، غاية الامر أنه يصدق عدم النفع أو قلة النفع. وعدم النفع لا يكون ضررا، فمثله مثل الولد الذي مات أبوه وكان له أخ شريك معه في ميراث أبيه فإنه لا يصدق الضرر عليه. نعم في باب الزكاة يصدق الضرر لتعلق الزكاة بما كان ملكا له فإنه كان مالكا للنصاب، وبعد تمام الحول في زكاة الأنعام