الشريعة إنما هو بعدم جعل حكم يلزم من امتثاله الحرج على المكلف.
إذا عرفت ما ذكرناه من موارد استعمال كلمة لا النافية للجنس، فلنرجع إلى استظهار المراد من الحديث الشريف، وما يستفاد منها بحسب خصوصية المقام، فقد ذكر له احتمالات أربعة:
(الأول) - أن يكون الكلام نفيا أريد به النهي بمنزلة قوله تعالي:
(لا رفث ولا فسوق ولا جدال) على ما تقدم بيانه. وعلى هذا فمفاد الجملتين حرمة الا ضرار بالغير، وحرمة القيام مقام الا ضرار. واختار هذا الاحتمال شيخنا الشريعة الأصفهاني (ره) وأصر عليه. وهذا الاحتمال وإن كان ممكنا في نفسه، إلا أنه لا يمكن الالتزام به في المقام. أما بناء على اشتمال الرواية على كلمة في الاسلام كما في رواية الفقيه ونهاية ابن الأثير فظاهر، لأن هذا القيد كاشف عن أن المراد هو النفي في مقام التشريع، لا نفي الوجود الخارجي بداعي الزجر. وأما بناء على عدم ثبوت اشتمالها عليها كما هو الصحيح لكون رواية الفقيه مرسلة غير منجبرة، ورواية ابن الأثير للعامة، فلان حمل النفي على النهي يتوقف على وجود قرينة صارفة عن ظهور الجملة في كونها خبرية كما هي ثابتة في قوله تعالى: (لا رفث ولا فسوق). فان العلم بوجود هذه الأمور في الخارج مع العلم بعدم جواز الكذب علي الله سبحانه وتعالى قرينة قطعية على إرادة النهي. وأما المقام فلا موجب لرفع اليد عن الظهور وحمل النفي على النهي، لامكان حمل القضية على الخبرية على ما سنذكره قريبا إن شاء الله تعالى.
(الثاني) - أن يكون المراد نفي الحكم بلسان نفي الموضوع على ما تقدم بيانه، كما في قوله (ع): (لا ربا بين الوالد والولد) فان الربا بمعنى الزيادة موجود بينهما، إنما المقصود نفى الحرمة. وعليه فيكون مفاد الجملتين أن