وأما الضرار فيمكن أن يكون مصدرا للفعل المجرد كالقيام، ويمكن ان يكون مصدر باب المفاعلة، لكن الظاهر هو الثاني، إذ لو كان مصدر المجرد لزم التكرار في الكلام بحسب المعنى، بلا موجب، ويكون بمنزلة قوله لا ضرر ولا ضرر مع قوله صلى الله عليه وآله انك رجل مضار في قصة سمرة بن جندب يؤيد كونه مصدر باب المفاعلة.
ثم إن المعروف بين الصرفيين والنحويين بل المسلم عندهم أن باب المفاعلة فعل للاثنين، لكن التتبع في موارد الاستعمالات يشهد بخلاف ذلك. وأول من تنبه لهذا الاشتباه المسلم هو بعض الأعاظم من مشايخنا المحققين (ره) (1) والذي يشهد به التتبع أن هيئة المفاعلة وضعت لقيام الفاعل مقام ايجاد المادة، وكون الفاعل بصدد ايجاد الفعل. وأقوى شاهد على ذلك هي الآيات الشريفة القرآنية: (فمنها) - قوله تعالى: (يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم) فذكر سبحانه وتعالى ان المنافقين بصدد ايجاد الخدعة، ولكن لا تقع خدعتهم إلا على أنفسهم، ومن ثم عبر في الجملة الأولى بهيئة المفاعلة، لأن الله تعالى لا يكون مخدوعا بخدعتهم، لان المخدوع ملزوم للجهل، وتعالى الله عنه علوا كبيرا. وعبر في الجملة الثانية بهيئة الفعل المجرد، لوقوع ضرر خدعتهم على أنفسهم لا محالة.
و (منها) - قوله تعالى: (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بان لهم الجنة، فيقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون...) ووجه الدلالة واضح لا حاجة إلي البيان. والشواهد على ما ذكرناه في هيئة المفاعلة كثيرة في الآيات