تكن مقرونة بالمؤمن شرعا أو عقلا موجبة لاستحقاق العقاب. والمقام كذلك لأن المفروض عدم جريان البراءة الشرعية ولا العقلية قبل الفحص على ما تقدم بيانه وقد ذكرنا في الدورة السابقة انه يمكن الالتزام بعدم استحقاق العقاب لجريان قاعدة قبح العقاب بلا بيان، إذ المراد بالبيان جعل التكليف في معرض الأصول على ما تقدم بيانه، فمع عدم تمكن المكلف من الوصول إليه كان البيان غير تام من قبل الشارع، ومعه يستقل العقل بقبح العقاب، فتكون مخالفة الواقع حينئذ مقرونة بالمؤمن العقلي، غاية الامر أن المكلف غير ملتفت إلى عدم تمامية البيان من قبل المولى وكان يحتملها، فتجري واقتحم الشبهة بلا فحص، فلو كان مستحقا للعقاب، فإنما هو على التجري لا على مخالفة الواقع، لان الواقع مما لم تقم الحجة عليه، فيكون العقاب عليه بلا بيان.
ولكن التحقيق هو التفصيل في المقام. بأن يقال إن بنينا على وجوب الفحص لآية السؤال، والأخبار الدالة على وجوب التعلم وتحصيل العلم بالأحكام فالحق عدم استحقاق العقاب، لعدم إمكان التعلم والفحص وتحصيل العلم على الفرض، فلا يكون المقام مشمولا للآية الشريفة والأخبار الدالة على وجوب التعلم. وإن بنينا على وجوب الفحص لأجل العلم الاجمالي أو لأجل أدلة التوقف والاحتياط، بناء علي كونها دالة على الوجوب المولوي الطريقي لا الارشادي المحض، على ما استظهرنا منها، فالحق استحقاق العقاب علي مخالفة الواقع، لكونه حينئذ منجزا بالعلم الاجمالي أو بوجوب التوقف والاحتياط.
(الجهة الخامسة) - لا ينبغي الاشكال في أن العمل الصادر من الجاهل المقصر قبل الفحص محكوم بالبطلان ظاهرا، بمعنى ان العقل يحكم بعدم جواز الاجتزاء به في مقام الامتثال، لعدم إحراز مطابقته للواقع. وهذا المعنى من البطلان هو المراد لصاحب العروة (ره) في قوله: (ان عمل العامي بلا تقليد ولا