التكليف التحريمي، فإنه الترك وهو عدمي لا يحتاج إلى العلة الوجوبية، بل يكفيه عدم إرادة الفعل، وهو أيضا عدمي، فلو كان الترك حاصلا بنفسه عادة لأجل عدم الداعي للمكلف إلى الفعل، كان النهي عنه لغوا مستهجنا.
والتحقيق ان يقال إنه لو بنينا على أن التكليف بما هو حاصل عادة وان كان مقدورا فعله وتركه يكون لغوا، فلا فرق بين التكليف الوجوبي والتحريمي، فإنه كما يقال إن النهي عن شئ متروك في نفسه حسب العادة لغو مستهجن، كذلك يقال إن البعث نحو شئ حاصل بنفسه لغو مستهجن، فيعتبر حينئذ في تنجيز العلم الاجمالي عدم كون بعض الأطراف خارجا عن محل الابتلاء عادة في المقامين، كما ذكره صاحب الكفاية (ره) وان بنينا على أن التكليف بما هو حاصل عادة لا يكون لغوا، ولا يشترط في صحة التكليف أزيد من القدرة فلا فرق أيضا بين التكليفين ولا يعتبر في تنجيز العلم الاجمالي عدم خروج بعض الأطراف عن معرض الابتلاء في المقامين، وهذا هو الصحيح، إذ ليس الغرض من الأوامر و النواهي الشرعية مجرد تحقق الفعل والترك خارجا، كما في الأوامر والنواهي العرفية، فان غرضهم من الامر بشئ ليس الا تحقق الفعل خارجا، كما أن غرضهم من النهي عن شئ لا يكون إلا انتفاء هذا الشئ خارجا وحينئذ كان الأمر بشئ حاصل بنفسه عادة لغوا وطلبا للحاصل لا محالة، وكذا النهي عن شئ متروك بنفسه لغو مستهجن بشهادة الوجدان. وهذا بخلاف الأوامر والنواهي الشرعية، فان الغرض منها ليس مجرد تحقق الفعل والترك خارجا، بل الغرض صدور الفعل استنادا إلى امر المولى، وكون الترك مستندا إلى نهيه ليحصل لهم بذلك الكمال النفساني، كما أشير إليه بقوله تعالى:
(وما أمروا الا ليعبدوا الله). ولا فرق في هذه الجهة بين التعبدي والتوصلي لما ذكرناه في مبحث التعبدي والتوصلي من أن الغرض من الأمر والنهي في كليهما