ثم انه لا بد من بيان منشأ الاختلاف في أن نتيجة المقدمات هو الكشف أو الحكومة، فان الاختلاف المذكور ليس جزافيا بدون منشأ، فنقول ان المنشأ لهذا الاختلاف هو الاختلاف في تقرير المقدمة الثالثة، فإنها قد تقرر بأن الاحتياط التام غير واجب، لعدم امكانه أو لكونه مستلزما لاختلال النظام أو العسر والحرج، وعلى هذا التقرير تكون النتيجة هي الحكومة، لان عدم جواز الاحتياط التام لاستلزامه اختلال النظام، أو عدم وجوبه للزوم العسر والحرج لا ينافي حكم العقل بلزوم الاحتياط في بعض الأطراف، وتركه في البعض الآخر مما يرفع معه محذور الاختلال أو العسر والحرج، فالعقل الحاكم بالاستقلال في باب الإطاعة والامتثال يلزم المكلف أو لا بتحصيل الامتثال العلمي تفصيلا أو اجمالا باتيان جميع المحتملات فان تعذر ذلك، حكم بالتبعيض في الاحتياط والاكتفاء بالامتثال الظني، ومع تعذره أيضا يحكم بالامتثال الشكي ومع تعذره يحكم بالامتثال الوهمي ولا يراه معذورا في مخالفة الواقع على تقدير التنزل إلى المرتبة السافلة، مع التمكن من المرتبة العالية في جميع هذه المراتب.
و (بالجملة) تكون النتيجة على هذا التقرير هو التبعيض في الاحتياط.
وقد تقرر المقدمة الثالثة بأن الشارع لا يرضى بالاحتياط والامتثال الاجمالي، بدعوى الاجماع على ذلك، فان الاحتياط وان كان حسنا في نفسه الا انه ليس كذلك فيما إذا استلزم انحصار الامتثال في أكثر الاحكام على الامتثال الاجمالي المنافي لقصد الوجه والجزم، وتكون النتيجة على هذا التقرير هو الكشف، إذ بعد فرض فعلية التكاليف وانسداد باب العلم والعلمي، وعدم رضى الشارع بالامتثال الاجمالي يستكشف ان الشارع جعل لنا حجة وطريقا إلى احكامه، فلا بد من السير والتقسيم في تعيين ذلك الطريق، فهل هو فتوى الفقيه أو القرعة أو غير ذلك. والمفروض عدم حجية كل ذلك، فيستكشف