الندم في القسم الثاني، فان المكلف لا يكون معذورا في مخالفة الواقع، ويكون مستحقا للعقاب. وليس المراد من الندم في الآية الشريفة هو القسم الأول قطعا وإلا يسقط جميع الامارات والطرق عن الحجية في الشبهات الحكمية والموضوعية لأن احتمال الوقوع في مخالفة الواقع موجود في الجميع، بل في القطع الوجداني أيضا، لاحتمال كونه جهلا مركبا، وان لم يكن القاطع ملتفتا حين قطعه إلى ذلك. وبالجملة مجرد الندم على الوقوع في مفسدة مخالفة الواقع مع كون المكلف عاملا بالوظيفة غير مستحق للعقاب لا يكون منشأ لاثر من الآثار، ولا يصح التعليل به، فالمراد من الندم في الآية الشريفة هو القسم الثاني أي الندامة على الوقوع في مفسدة مخالفة الواقع، مع كونه غير معذور في ذلك مستحقا للعقاب وخبر العادل علي تقدير حجيته خارج عن هذا التعليل موضوعا، إذ المكلف العامل بالحجة المعتبرة معذور في مخالفة الواقع غير مستحق للعقاب، فصح ما ذكرناه من أن المفهوم علي تقدير دلالة الجملة الشرطية عليها بنفسها حاكم على عموم التعليل، لا ان التعليل مانع عن المفهوم.
وقد يستشكل أيضا على كون المفهوم حاكما على التعليل بأن معنى الحكومة أن يكون الدليل الحاكم ناظرا إلى المحكوم وشارحا له بالتوسعة أو بالتضييق في الموضوع بلحاظ الأثر الثابت له في الدليل المحكوم، فيكون الدليل الحاكم مثبتا لذلك الأثر لغيره، بلسان ثبوت الموضوع، كما في قوله: (الفقاع خمر استصغره الناس) أو نافيا له عن بعض مصاديقه بلسان نفي الموضوع كقوله:
(لا ربا بين الوالد والوالد) فيكون الحاكم دائما ناظرا إلى الأثر الثابت في الدليل المحكوم فيثبته بلسان ثبوت الموضوع أو ينفيه بلسان نفي الموضوع، وهذا هو معنى الحكومة، وهو لا ينطبق على المقام، إذ المستفاد من المفهوم أولا عدم وجوب التبين عن خبر العادل، ويستكشف منه ان الشارع قد اعتبره علما فلا معنى