وأما إذا كان التعليل ارشادا إلى ما يحكم به العقل من عدم جواز العمل بما لا يؤمن معه من العقاب المحتمل فلا مانع من كون المفهوم حاكما عليه إذ بعد حجية خبر العادل كان العمل به مأمونا من العقاب وكان خارجا عن حكم العقل موضوعا، وقد ذكرنا سابقا ان الآيات الناهية عن العمل بغير العلم ومنها التعليل في آية النبأ ارشاد إلى حكم العقل.
(الوجه الثاني) - من الاشكال على الاستدلال بالآية الشريفة انه ان أريد بالتبين المذكور في الآية خصوص العلم فيكون العمل به لا بخبر الفاسق، إذ مع العلم الوجداني كان ضم خبر الفاسق إليه من قبيل ضم الحجر إلى جنب الانسان وحيث إن العمل بالعلم الوجداني واجب عقلا كان الامر به في الآية الشريفة ارشادا إليه لا محالة، ولا يستفاد المفهوم من الامر الارشادي، فلا مفهوم للآية الشريفة، وإن أريد بالتبين مجرد الوثوق يقع التنافي بين المفهوم والمنطوق بمعنى عدم إمكان العمل بهما معا، إذ مقتضى المنطوق حجية خبر الفاسق الموثوق به بان يكون متحرزا عن الكذب وان لم يكن عادلا، ومقتضى المفهوم حجية خبر العادل وإن لم يحصل الوثوق به كما إذا كان معرضا عنه عند الأصحاب والعلماء بين من اعتبر العدالة في حجية الخبر ولم يكتف بمجرد الوثوق، وبين من اعتبر الوثوق ولم يعمل بخبر العادل الذي لا يوجب الوثوق كما إذا كان معرضا عنه عند الأصحاب. فالجمع بين العمل بخبر الفاسق الموثوق به بمقتضى المنطوق، والعمل بخبر العادل وان لم يوجب الوثوق بمقتضى المفهوم احداث لقول ثالث. وهذا هو المراد من عدم امكان العمل بالمنطوق والمفهوم معا، فيدور الامر بين رفع اليد عن أحدهما ولا ينبغي الشك في أن المتعين هو رفع اليد عن المفهوم لأنه مترتب على المنطوق ومتفرع عليه فلا يمكن الاخذ به مع رفع اليد عن المنطوق فتكون النتيجة انه لا مفهوم للآية المباركة على كلا التقديرين.