(تذييل) إعلم أن لكل لفظ دلالات ثلاث:
(الدلالة الأولى) - كون اللفظ موجبا لانتقال المعنى إلى ذهن السامع مع علمه بالوضع، وهذه الدلالة لا تتوقف على إرادة اللافظ، بل اللفظ بنفسه يوجب انتقال المعنى إلى الذهن، ولو مع العلم بعدم إرادة المتكلم، كما إذا كان نائما أو سكرانا أو نصب قرينة على إرادة غير هذا المعنى، كما في قولنا رأيت أسدا يرمي، فان ذهن المخاطب ينتقل إلى الحيوان المفترس بمجرد سماع كلمة الأسد، وإن كان يعلم أن مراد المتكلم هو الرجل الشجاع، بل هذه الدلالة لا يحتاج إلى متكلم ذي إدراك وشعور، فان اللفظ الصادر من لافظ غير شاعر، بل من غير لافظ يوجب انتقال المعنى إلى ذهن السامع، وبالجملة هذه الدلالة بعد العلم بالوضع غير منفكة عن اللفظ ابدا، ولا تحتاج إلى شئ من الأشياء. وهذه الدلالة هي التي تسمى عند القوم بالدلالة التصورية (مرة) باعتبار أن اللفظ يوجب تصور المعنى في الذهن، وبالدلالة الوضعية (أخرى) باعتبار ان منشأها الوضع وهو عبارة عن جعل العلقة بين اللفظ والمعنى، بحيث ينتقل المعنى إلى الذهن عند سماع اللفظ. والمختار عندنا كون الدلالة الوضعية غيرها، لان هذه الدلالة لا تكون غرضا من الوضع لتكون وضعية، والأنسب تسميتها بالدلالة الانسية، إذ منشأها أنس الذهن بالمعنى، لكثرة استعمال اللفظ فيه لا الوضع، لما ذكرناه في بحث الوضع من أن الوضع عبارة عن تعهد الواضع والتزامه بأنه متى أراد تفهيم معنى فلان فهو يتكلم باللفظ الفلان. وعليه فلا يكون مجرد خطور المعنى في الذهن عند سماع اللفظ مستندا إلى تعهده، بل إلى انس الذهن به الحاصل من