ومما يؤيد ذلك، صحة توصيف الجملة بقولك: " زيد ضارب في الحال وفعلا " وهكذا، ولو كان مفادها ذلك لكان القيد المذكور لغوا.
ومن قبيل هذه القضايا، جميع المشتقات والعناوين الجارية على الذوات، فلو ورد " أكرم العالم " و " أعن الفاسق " أو " رأيت زوج هند " و " مررت بزوجة بكر " فإنها أيضا خالية عن الدلالة على الأكثر مما مضى.
وأنت خبير: بأن القضايا مختلفة، ففي مثل " زيد مجتهد، وعالم، وفاضل، وعادل " وهكذا، تكون ظاهرة في التلبس الفعلي، وفي مثل هو " ضارب " أو " قاتل " أو في مثل " الشمس مشرقة " و " السم قاتل " و " السيف قاطع " وهكذا، لا يكون الأمر كذلك.
ولو سلمنا أن الصناعة تقتضي كون الأمر كما أفيد، ولكن لا يمكن صرف النظر عن ظهور هذه القضايا، فعليه نقول: إن القضية بحسب الوضع، لا تدل إلا على نحو اتحاد بين الموضوع والمحمول، ولكن القرائن الاخر اللفظية أو الحالية والمقامية، تدل على الأخص، وهو التلبس الفعلي، ومن تلك القرائن المواد المستعملة في ضمن الهيئات، ففي المواد التي لها البقاء والاستمرار عرفا - ك " العدالة والعلم والاجتهاد والفضل " وهكذا - قرينة على التلبس الفعلي، دون ما لا بقاء لها.
فبالجملة: لا يجوز التغافل عن مقتضى القرائن الكلية والجزئية الوجودية والعدمية في أنحاء الاستعمالات، والنظر إلى تلك القضايا والقرائن، أوقع الأصحاب في اختيار الأقوال الكثيرة في المسألة، وإلا فقضية الصناعة الأولية هو ما ذكرناه، ومقتضى الاستعمالات المختلفة مع القرائن المتشتتة هو التفصيل، من غير رجوع هذا التفصيل إلى اختلاف مفاد الهيئة في المشتق، فلا تخلط، ولا تذهل.
ومما يشهد على التفصيل في القضايا، أنه إذا قال زيد: " أنا القاتل " يؤخذ