الاعتبارية، بل معناه أن ما حصل عندهم فعلا - بعد الارتكازات التي تولدت منذ بداية حضارة البشر إلى يومنا هذا - هو أنهم يعتبرون تلك الماهيات أسباب النقل، كما مضى تفصيله مرارا (1).
فبالجملة: فرق واضح بين باب العبادات والمعاملات، فإن العبادات لا تعتبر لأمر آخر اعتباري ملحوظ، والمعاملات اعتبرت موضوعات أو أسبابا لاعتبار آخر مترتب عليها قهرا، ملحوظ حال اعتبار الأمر الأول.
المقدمة الثالثة:
الأمور الاعتبارية - حدوثا وبقاء، سعة وضيقا - متقومة بالحاجة التي تمس إليها، فإن الانسان في بدو المعيشة، ما كان يحتاج إلى التبادل، ثم بعد الحاجة إليه توسل إلى اعتبار المبادلة، وهكذا إلى أن انتهى الأمر إلى زماننا الذي ارتقى نهايته، ووصلت الاعتبارات غايتها، لشدة الاحتياج في النظام إليها.
ومن تلك الاعتبارات، ماهيات المعاملات، فإنها بدوا اعتبرت بين الأعيان الخارجية، ثم بعد مساس الحاجة إلى اعتبارها في الكليات، استعملت ألفاظها مجازا في الأمر الحادث، ثم صارت حقيقة فيه، لمشابهته مع الموضوع له الأول في جهة الوضع.
ولا شبهة في أن المعاملات في بدو الوجود والتأسيس، كانت على نعت المؤثر الفعلي، لعدم الحاجة إلى اعتبار ذاتها فارغة من أثر، فما اعتبر أولا وبالذات، هي الماهية الموضوعة للحكم بحصول النقل والانتقال، أو ماهية اعتبرت سببا لذلك، على الاحتمالين في تلك المسألة، وسيظهر - بعد توضيح الحق في هذه المسألة - ما هو التحقيق فيها، فانتظر.