فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن) * وهذا بيان حكم المطلقة البائنة، لأن الرجعية تستحق النفقة، وإن لم تكن حاملا، وإن كانت مطلقة ثلاثا أو مختلعة فلا نفقة لها إلا أن تكون حاملا، وعند مالك والشافعي، ليس للمبتوتة إلا السكنى ولا نفقة لها، وعن الحسن وحماد لا نفقة لها ولا سكنى، لحديث فاطمة بنت قيس أن زوجها بت طلاقها، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم لا سكنى لك ولا نفقة. وقوله: * (فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن) * يعني حق الرضاع وأجرته وقد مر، وهو دليل على أن اللبن وإن خلق لمكان الولد فهو ملك لها وإلا لم يكن لها أن تأخذ الأجر، وفيه دليل على أن حق الرضاع والنفقة على الأزواج في حق الأولاد وحق الإمساك والحضانة والكفالة على الزوجات وإلا لكان لها بعض الأجر دون الكل، وقوله تعالى: * (وائتمروا بينكم بمعروف) * قال عطاء: يريد بفضل معروفا منك، وقال مقاتل: بتراضي الأب والأم، وقال المبرد: ليأمر بعضكم بعضا بالمعروف، والخطاب للأزواج من النساء والرجال، والمعروف ههنا أن لا يقصر الرجل في حق المرأة ونفقتها ولا هي في حق الولد ورضاعه وقد مر تفسير الائتمار، وقيل: الائتمار التشاور في إرضاعه إذا تعاسرت هي، وقوله تعالى: * (وإن تعاسرتم) * أي في الأجرة: * (فسترضع له أخرى) * غير الأم، ثم بين قدر الإنفاق بقوله: * (لينفق ذو سعة من سعته) * أمر أهل التوسعة أن يوسعوا على نسائهم المرضعات على قدر سعتهم ومن كان رزقه بمقدار القوت فلينفق على مقدار ذلك، ونظيره: * (على الموسع قدره وعلى المقتر قدره) * (البقرة: 236) وقوله تعالى: * (لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها) * أي ما أعطاها من الرزق، قال السدي: لا يكلف الفقير مثل ما يكلف الغني، وقوله: * (سيجعل الله بعد عسر يسرا) * أي بعد ضيق وشدة غنى وسعة ورخاء وكان الغالب في ذلك الوقت الفقر والفاقة، فأعلمهم الله تعالى أن يجعل بعد عسر يسرا وهذا كالبشارة لهم بمطلوبهم، ثم في الآية مباحث: الأول: إذا قيل: (من) في قوله: * (من حيث سكنتم) * ما هي؟ نقول: هي التبعيضية أي بعض مكان سكناكم إن لم يكن (لكم) غير بيت واحد فأسكنوها في بعض جوانبه. الثاني: ما موقع * (من وجدكم) *؟ نقول: عطف بيان لقوله: * (من حيث سكنتم) * وتفسير له، أي مكانا من مسكنكم على قدر طاقتكم. الثالث: فإذا كانت كل مطلقة عندكم يجب لها النفقة، فما فائدة الشرط في قوله تعالى: * (وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن) * نقول: فائدته أن مدة الحمل ربما طال وقتها، فيظن أن النفقة تسقط إذا مضى مقدار مدة الحمل، فنفى ذلك الظن.
ثم قال تعالى:
* (وكأين من قرية عتت عن أمر ربها ورسله فحاسبناها حسابا شديدا وعذبناها