القدرة التامة والعلم التام، فلهذا السبب ذكر الله الدليل على ثبوت هاتين الصفتين في هذا المقام، ولما كان العلم بكونه تعالى قادرا متقدما على العلم بكونه عالما، لا جرم ذكر أولا دلائل القدرة وثانيا دلائل العلم.
* (الذى خلق سبع سماوات طباقا ما ترى فى خلق الرحمان من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور) *.
أما دليل القدرة فهو قوله: * (الذي خلق سبع سماوات طباقا) * وفيه مسائل:
المسألة الأولى: ذكر صاحب " الكشاف " في * (طباقا) * ثلاثة أوجه أولها: طباقا أي مطابقة بعضها فوق بعض من طابق النعل إذا خصفها طبقا على طبق، وهذا وصف بالمصدر وثانيها: أن يكون التقدير ذات طباق وثالثها: أن يكون التقدير طوبقت طباقا.
المسألة الثانية: دلالة هذه السماوات على القدرة من وجوه أحدها: من حيث إنها بقيت في جو الهواء معلقة بلا عماد ولا سلسلة وثانيها: من حيث إن كل واحد منها اختص بمقدار معين مع جواز ما هو أزيد منه وأنقص وثالثها: أنه اختص كل واحد منها بحركة خاصة مقدرة بقدر معين من السرعة والبطء إلى جهة معينة ورابعها: كونها في ذواتها محدثة وكل ذلك يدل على استنادها إلى قادر تام القدرة.
وأما دليل العلم فهو قوله: * (ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور) * وفيه مسائل:
المسألة الأولى: قرأ حمزة والكسائي * (من تفوت) * والباقون * (من تفاوت) *، قال الفراء: وهما بمنزلة واحدة مثل تظهر وتظاهر، وتعهد وتعاهد، وقال الأخفش: * (تفاوت) * أجود لأنهم يقولون: تفاوت الأمر ولا يكادون يقولون: تفوت، واختار أبو عبيدة: * (تفوت) *، وقال: يقال تفوت الشيء إذا فات، واحتج بما روي في الحديث أن رجلا تفوت على أبيه في ماله.
المسألة الثانية: حقيقة التفاوت عدم التناسب كأن بعض الشيء يفوت بعضه ولا يلائمه ومنه قولهم: (تعلق متعلق متفاوت ونقيضه متناسب)، وأما ألفاظ المفسرين فقال السدي: من تفاوت أي من اختلاف عيب، يقول الناظر: لو كان كذا كان أحسن، وقال آخرون: التفاوت الفطور بدليل قوله بعد ذلك: * (فارجع البصر هل ترى من فطور) * نظيره قوله: * (وما لها من فروج) * (ق: 6) قال القفال: ويحتمل أن يكون المعنى: ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت في الدلالة على حكمة صانعها وأنه لم يخلقها عبثا. المسألة الثالثة: الخطاب في قوله: * (ما ترى) * إما للرسول أو لكل مخاطب وكذا القول في