خفية لإثبات العزة بالحق، والوقوف على حد التواضع من غير انحراف إلى الضعة وقوف على صراط العزة المنصوب على متن نار الكبر، فإن قيل: قال في الآية الأولى: * (لا يفقهون) * وفي الأخرى * (لا يعلمون) * فما الحكمة فيه؟ فنقول: ليعلم بالأول قلة كياستهم وفهمهم، وبالثاني كثرة حماقتهم وجهلهم، ولا يفقهون من فقه يفقه، كعلم يعلم، ومن فقه يفقه: كعظم يعظم، والأول لحصول الفقه بالتكلف والثاني لا بالتكلف، فالأول علاجي، والثاني مزاجي.
ثم قال تعالى:
* (يا أيها الذين ءامنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون * وأنفقوا من ما رزقناكم من قبل أن يأتى أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتنى إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين * ولن يؤخر الله نفسا إذا جآء أجلهآ والله خبير بما تعملون) *.
* (لا تلهكم) * لا تشغلكم كما شغلت المنافقين، وقد اختلف المفسرون منهم من قال: نزلت في حق المنافقين، ومنهم من قال في حق المؤمنين، وقوله: * (عن ذكر الله) * عن فرائض الله تعالى نحو الصلاة والزكاة والحج أو عن طاعة الله تعالى وقال الضحاك: الصلوات الخمس، وعند مقاتل: هذه الآية وما بعدها خطاب للمنافقين الذين أقروا بالإيمان * (ومن يفعل ذلك) * أي ألهاه ماله وولده عن ذكر الله * (فأولئك هم الخاسرون) * أي في تجارتهم حيث باعوا الشريف الباقي بالخسيس الفاني وقيل: هم الخاسرون في إنكار ما قال به رسول الله صلى الله عليه وسلم من التوحيد والبعث.
وقال الكلبي: الجهاد، وقيل: هو القرآن وقيل: هو النظر في القرآن والتفكر والتأمل فيه * (وأنفقوا مما رزقناكم) * قال ابن عباس يريد زكاة المال ومن للتبعيض، وقيل: المراد هو الإنفاق الواجب * (من قبل أن يأتي أحدكم الموت) * أي دلائل الموت وعلاماته فيسأل الرجعة إلى الدنيا وهو قوله: * (رب لولا أخرتني إلى أجل قريب) * وقيل حضهم على إدامة الذكر، وأن لا يضنوا بالأموال، أي هلا أمهلتني وأخرت أجلي إلى زمان قليل، وهو الزيادة في أجله حتى يتصدق ويتزكى وهو