وتذرون الآخرة، وقال سائر المفسرين: * (كلا) * معناه حقا أي حقا تحبون العاجلة وتذرون الآخرة، والمعنى أنهم يحبون الدنيا ويعملون لها ويتركون الآخرة ويعرضون عنها.
المسألة الثانية: قرىء تحبون وتذرون بالتاء والياء وفيه وجهان الأول: قال الفراء: القرآن إذا نزل تعريفا لحال قوم، فتارة ينزل على سبيل المخاطبة لهم. وتارة ينزل على سبيل المغايبة، كقوله تعالى: * (حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم) * (يونس: 22) الثاني: قال أبو علي الفارسي: الياء على ما تقدم من ذكر الإنسان في قوله: * (أيحسب الإنسان) * (القيامة: 3) والمراد منه الكثرة، كقوله: * (إن الإنسان خلق هلوعا) * (المعارج: 19) والمعنى أنهم يحبون ويذرون، والتاء على قل لهم، بل تحبون وتذرون.
قوله تعالى * (وجوه يومئذ ناضرة) *.
قال الليث: نضر اللون والشجر والورق ينضر نضرة، والنضرة النعمة، والناضر الناعم، والنضر الحسن من كل شيء، ومنه يقال للون إذا كان مشرقا: ناضر، فيقال: أخضر ناضر، وكذلك في جميع الألوان، ومعناه الذي يكون له برق، وكذلك يقال: شجر ناضر، وروض ناضر. ومنه قوله عليه السلام: " نضر الله عبدا سمع مقالتي فوعاها " الحديث. أكثر الرواة رواه بالتخفيف، وروى عكرمة عن الأصمعي: فيه التشديد، وألفاظ المفسرين مختلفة في تفسير الناضر، ومعناها واحد قالوا: مسرورة، ناعمة، مضيئة، مسفرة، مشرقة بهجة.
وقال الزجاج: نضرت بنعيم الجنة، كما قال: * (تعرف في وجوههم نضرة النعيم) * (المطففين: 24).
قوله تعالى * (إلى ربها ناظرة) *.
اعلم أن جمهور أهل السنة يتمسكون بهذه الآية في إثبات أن المؤمنين يرون الله تعالى يوم القيامة. أما المعتزلة فلهم ههنا مقامان أحدهما: بيان أن ظاهره لا يدل على رؤية الله تعالى والثاني: بيان التأويل. أما المقام الأول: فقالوا: النظر المقرون بحرف إلى ليس اسما للرؤية، بل لمقدمة الرؤية وهي تقليب الحدقة نحو المرئي التماس لرؤيته، ونظر العين بالنسبة إلى الرؤية كنظر القلب بالنسبة إلى المعرفة، وكالإصغاء بالنسبة إلى السماع، فكما أن نظر القلب مقدمة للمعرفة، والإصغاء مقدمة للسماع، فكذا نظر العين مقدمة للرؤية، قالوا: والذي يدل على أن النظر ليس اسما للرؤية وجوه الأول: قوله تعالى: * (وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون) * (الأعراف: 198) أثبت النظر حال عدم الرؤية، فدل على أن النظر غير الرؤية والثاني: أن النظر يوصف بما لا توصف به الرؤية، يقال: نظر إليه نظرا شزرا، ونظر غضبان، ونظر راض، وكل ذلك لأجل أن حركة الحدقة تدل على هذه الأحوال، ولا توصف الرؤية بشئ من ذلك، فلا يقال: رآه شزرا، ورآه رؤية غضبان، أو رؤية راض الثالث: يقال: انظر إليه حتى تراه، ونظرت إليه فرأيته، وهذا يفيد كون الرؤية