فأنزل الله تعالى هذه الآية فقيل له: أما الحرام فحلال، وأما اليمين التي حلفت عليها، فقد فرض الله لكم تحلة أيمانكم.
وقال الشعبي: كان مع الحرام يمين فعوتب في الحرام، وإنما يكفر اليمين، فذلك قوله تعالى: * (قد فرض الله) * الآية قال صاحب " النظم " قوله: * (لم تحرم) * استفهام بمعنى الإنكار والإنكار من الله تعالى نهي، وتحريم الحلال مكروه، والحلال لا يحرم إلا بتحريم الله تعالى وقوله تعالى: * (تبتغي مرضات أزواجك) * و * (تبتغي) * حال خرجت مخرج المضارع والمعنى: لم تحرم مبتغيا مرضات أزواجك قال في " الكشاف ": * (تبتغي) *، إما تفسير لتحرم، أو حال أو استئناف، وهذا زلة منه، لأنه ليس لأحد أن يحرم ما أحل الله * (والله غفور رحيم) * قد غفر لك ما تقدم من الزلة، * (رحيم) * قد رحمك لم يؤاخذك به، ثم في الآية مباحث:
البحث الأول: * (لم تحرم ما أحل الله لك) * يوهم أن هذا الخطاب بطريق العتاب وخطاب الوصف، وهو النبي ينافي ذلك لما فيه من التشريف والتعظيم فكيف هو نقول: الظاهر أن هذا الخطاب ليس بطريق العتاب بل بطريق التنبيه على أن ما صدر منه لم يكن كما ينبغي.
البحث الثاني: تحريم ما أحل الله تعالى غير ممكن، لما أن الإحلال ترجيح جانب الحل والتحريم ترجيح جانب الحرمة، ولا مجال للاجتماع بين الترجيحين فكيف يقال: * (لم تحرم ما أحل الله) *؟ نقول: المراد من هذا التحريم هو الامتناع عن الانتفاع بالأزواج لا اعتقاد كونه حراما بعدما أحل الله تعالى فالنبي صلى الله عليه وسلم امتنع عن الانتفاع معها مع اعتقاده بكونه حلالا ومن اعتقد أن هذا التحريم هو تحريم ما أحله الله تعالى بعينه فقد كفر فكيف يضاف إلى الرسول صلى الله عليه وسلم مثل هذا.
البحث الثالث: إذا قيل: ما حكم تحريم الحلال؟ نقول: اختلفت الأئمة فيه فأبو حنيفة يراه يمينا في كل شيء، ويعتبر الانتفاع المقصود فيما يحرمه فإذا حرم طعاما فقد حلف على أكله أو أمة فعلى وطئها أو زوجة فعلى الإيلاء منها إذا لم يكن له نية وإن نوى الظهار فظهار، وإن نوى الطلاق فطلاق بائن وكذلك إن نوى اثنتين، وإن نوى ثلاثا فكما نوى، فإن قال: نويت الكذب دين فيما بينه وبين ربه ولا يدين في القضاء بإبطال الإيلاء، وإن قال: كل حلال عليه حرام فعلى الطعام والشراب إذا لم ينو وإلا فعلى ما نوى ولا يراه الشافعي يمينا، ولكن سببا (في الكفارة) في النساء وحدهن، وإن نوى الطلاق فهو رجعي عنده، وأما اختلاف الصحابة فيه فكما هو في " الكشاف "، فلا حاجة بنا إلى ذكر ذلك.
ثم قال تعالى:
* (قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم والله مولاكم وهو العليم الحكيم * وإذ أسر النبى إلى بعض أزواجه حديثا فلما نبأت به وأظهره الله عليه عرف بعضه