هو أن يراجعها في آخر العدة، ثم يطلقها تطويلا للعدة وتعذيبا لها.
وقوله تعالى: * (وأشهدوا ذوي عدل منكم) * أي أمروا أن يشهدوا عند الطلاق وعند الرجعة ذوي عدل، وهذا الإشهاد مندوب إليه عند أبي حنيفة كما في قوله: * (وأشهدوا إذا تبايعتم) * (البقرة: 282) وعند الشافعي هو واجب في الرجعة مندوب إليه في الفرقة، وقيل: فائدة الإشهاد أن لا يقع بينهما التجاحد، وأن لا يتهم في إمساكها ولئلا يموت أحدهما فيدعي الباقي ثبوت الزوجية ليرث، وقيل: الإشهاد إنما أمروا به للاحتياط مخافة أن تنكر المرأة المراجعة فتنقضي العدة فتنكح زوجا. ثم خاطب الشهداء فقال: * (وأقيموا الشهادة) * وهذا أيضا مر تفسيره، وقوله: * (ومن يتق الله يجعل له مخرجا) * قال الشعبي: من يطلق للعدة يجعل الله له سبيلا إلى الرجعة، وقال غيره: مخرجا من كل أمر ضاق على الناس، قال الكلبي: ومن يصبر على المصيبة يجعل الله له مخرجا من النار إلى الجنة، وقرأها النبي صلى الله عليه وسلم فقال: مخرجا من شبهات الدنيا ومن غمرات الموت، ومن شدائد يوم القيامة، وقال أكثر أهل التفسير: أنزل هذا وما بعده في عوف بن مالك الأشجعي أسر العدو ابنا له فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر له ذلك وشكا إليه الفاقة فقال له: " اتق الله واصبر وأكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله " ففعل الرجل ذلك فبينما هو في بيته إذ أتاه ابنه، وقد غفل عنه العدو، فأصاب إبلا وجاء بها إلى أبيه، وقال صاحب " الكشاف ": فبينا هو في بيته، إذ قرع ابنه الباب ومعه مائة من الإبل غفل عنها العدو فاستاقها، فذلك قوله: ويرزقه من حيث لا يحتسب ويجوز أنه إن اتقى الله وآثر الحلال والصبر على أهله فتح الله عليه إن كان ذا ضيق * (ويرزقه من حيث لا يحتسب) * وقال في " الكشاف ": * (ومن يتق الله) * جملة اعتراضية مؤكدة لما سبق من إجراء أمر الطلاق على السنة كما مر.
وقوله تعالى: * (ومن يتوكل على الله فهو حسبه) * أي من وثق به فيما ناله كفاه الله ما أهمه، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من أحب أن يكون أقوى الناس فليتوكل على الله " وقرئ: * (إن الله بالغ أمره) * بالإضافة * (وبالغ أمره) * أي نافذ أمره، وقرأ المفضل * (بالغا أمره) *، على أن قوله * (قد جعل) * خبر * (إن) *، و * (بالغا * (حال. قال ابن عباس يريد في جميع خلقه والمعنى سيبلغ الله أمره فيما يريد منكم و * (قد جعل الله لكل شيء قدرا) * أي تقديرا وتوقيتا، وهذا بيان لوجوب التوكل على الله تعالى وتفويض الأمر إليه، قال الكلبي ومقاتل: لكل شيء من الشدة والرخاء أجل ينتهي إليه قدر الله تعالى ذلك كله لا يقدم ولا يؤخر. وقال ابن عباس: يريد قدرت ما خلقت بمشيئتي، وقوله: * (فإذا بلغن أجلهن) * إلى قوله: * (مخرجا) * آية ومنه إلى قوله: * (قدرا) * آية أخرى عند الأكثر، وعند الكوفي والمدني المجموع آية واحدة ثم في هذه الآية لطيفة: وهي أن التقوي في رعاية أحوال النساء مفتقرة إلى المال، فقال تعالى: * (ومن يتق الله يجعل له مخرجا) * وقريب من هذا قوله: * (إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله) * (النور: 32) فإن قيل: * (ومن يتوكل على الله فهو حسبه) * يدل على عدم الاحتياج للكسب في طلب الرزق، وقوله تعالى: