وإن أنكروا الرسالة لكنهم يعتقدون أنه يعتقد ربه اعتقادا لا مزيد عليه فيعلمون أنه لا يقدم على القسم بربه إلا وأن يكون صدق هذا الإخبار أظهر من الشمس عنده وفي اعتقاده، والفائدة في الإخبار مع القسم ليس إلا هذا، ثم إنه أكد الخبر باللام والنون فكأنه قسم بعد قسم. ولما بالغ في الإخبار عن البعث والاعتراف بالبعث من لوازم الإيمان قال:
* (فامنوا بالله ورسوله والنور الذى أنزلنا والله بما تعملون خبير * يوم يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يكفر عنه سيئاته ويدخله جنات تجرى من تحتها الانهار خالدين فيهآ أبدا ذلك الفوز العظيم * والذين كفروا وكذبوا باياتنآ أولئك أصحاب النار خالدين فيها وبئس المصير) *.
قوله: * (فآمنوا) * يجوز أن يكون صلة لما تقدم لأنه تعالى لما ذكر ما نزل من العقوبة بالأمم الماضية، وذلك لكفرهم بالله وتكذيب الرسل قال: * (فآمنوا) * أنتم * (بالله ورسوله) * لئلا ينزل بكم ما نزل بهم من العقوبة * (والنور الذي أنزلنا) * وهو القرآن فإنه يهتدى به في الشبهات كما يهتدى بالنور في الظلمات، وإنما ذكر النور الذي هو القرآن لما أنه مشتمل على الدلالات الظاهرة على البعث، ثم ذكر في " الكشاف " أنه عنى برسوله والنور محمدا صلى الله عليه وسلم والقرآن * (والله بما تعملون خبير) * أي بما تسرون وما تعلنون فراقبوه وخافوه في الحالين جميعا وقوله تعالى: * (يوم يجمعكم ليوم الجمع) * يريد به يوم القيامة جمع فيه أهل السماوات وأهل الأرض، و * (ذلك يوم التغابن) * والتغابن تفاعل من الغبن في المجازاة والتجارات، يقال: غبنه يغبنه غبنا إذا أخذ الشيء منه بدون قيمته، قال ابن عباس رضي الله عنهما: إن قوما في النار يعذبون وقوما في الجنة يتنعمون، وقيل: هو يوم يغبن فيه أهل الحق، أهل الباطل، وأهل الهدى أهل الضلالة، وأهل الإيمان. أهل الكفر، فلا غبن أبين من هذا، وفي الجملة فالغبن في البيع والشراء وقد ذكر تعالى في حق الكافرين أنهم اشتروا الحياة