الإنس والجن، وتظاهروا عليه ليبطلوا الحق الذي جاء به ويطفئوا نور الله، فأبى الله إلا أن ينصره ويظهره على من عاداه، وأما على قول من قال: إنه من كلام الجن، فالوجهان أيضا عائدان فيه، وقوله: * (لبدا) * فهو جمع لبدة وهو ما تلبد بعضه على بعض وارتكم بعضه على بعض، وكل شيء ألصقته بشيء إلصاقا شديدا فقد لبدته، ومنه اشتقاق هذه اللبود التي تفرش ويقال: لبدة الأسد لما يتلبد من الشعر بين كتفيه، ومنه قول زهير: (لدى أسد شاكي السلاح مقذف) * له لبد أظفاره لم تقلم وقرئ: * (لبدا) * بضم اللام واللبدة في معنى اللبدة، وقرئ * (لبدا) * جمع لابد كسجد وساجد. وقرئ أيضا: * (لبدا) * بضم اللام والباء جمع لبود كصبر جمع صبور، فإن قيل: لم سمي محمدا بعبد الله، وما ذكره برسول الله أو نبي الله؟ قلنا: لأنه إن كان هذا الكلام من جملة الموحى، فاللائق بتواضع الرسول أن يذكر نفسه بالعبودية، وإن كان من كلام الجن كان المعنى أن عبد الله لما اشتغل بعبودية الله، فهؤلاء الكفار لم اجتمعوا ولم حاولوا منعه منه، مع أن ذلك هو الموافق لقانون العقل؟.
* (قل إنمآ أدعو ربى ولا أشرك به أحدا) *.
قرأ العامة قال على الغيبة وقرأ عاصم وحمزة، * (قل) * حتى يكون نظيرا لما بعده، وهو قوله: * (قل إني لا أملك) * (الجن: 21) * (قل إني لن يجيرني) * (الجن: 22) قال مقاتل: إن كفار مكة قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: " إنك جئت بأمر عظيم وقد عاديت الناس كلهم، فارجع عن هذا " فأنزل الله: * (قل إنما أدعوا ربي) * وهذا حجة لعاصم وحمزة، ومن قرأ * (قال) * حمل ذلك على أن القوم لما قالوا ذلك، أجابهم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: * (إنما أدعو ربي) * فحكى الله ذلك عنه بقوله * (قال) * أو يكون ذاك من بقية حكاية الجن أحوال الرسول لقومهم.
* (قل إنى لا أملك لكم ضرا ولا رشدا) *.
إما أن يفسر الرشد بالنفع حتى يكون تقدير الكلام: لا أملك لكم غيا ولا رشدا، ويدل عليه قراءة أبي (غيا ولا رشدا)، ومعنى الكلام أن النافع والضار، والمرشد والمغوي هو الله، وإن أحدا من الخلق لا قدرة له عليه.
* (قل إنى لن يجيرنى من الله أحد ولن أجد من دونه ملتحدا) *.
قوله تعالى: * (قل إني لن يجيرني من الله أحدا) * قال مقاتل: إنهم قالوا: اترك ما تدعوا إليه ونحن نجيرك، فقال الله له: * (قل إني لن يجيرني من الله أحد) *.
ثم قال تعالى: * (ولن أجد من دونه ملتحدا) * أي ملجأ وحرزا، قال المبرد: * (ملتحدا) * مثل قولك منعرجا، والتحد معناه في اللغة مال، فالملتحد المدخل من الأرض مثل السرب الذاهب في الأرض.