أيضا بقول كاهن، لأنه وارد بسبب الشياطين وشتمهم، فلا يمكن أن يكون ذلك بإلهام الشياطين، إلا أنكم لا تتذكرون كيفية نظم القرآن، واشتماله على شتم الشياطين، فلهذا السبب تقولون: إنه من باب الكهانة.
قوله تعالى:
* (تنزيل من رب العالمين) *.
اعلم أن نظير هذه الآية قوله في الشعراء: * (إنه لتنزيل رب العالمين * نزل به الروح الأمين * على قلبك لتكون من المنذرين) * (الشعراء: 192 - 194) فهو كلام رب العالمين لأنه تنزيله، وهو قول جبريل لأنه نزل به، وهو قول محمد لأنه أنذر الخلق به، فههنا أيضا لما قال فيما تقدم: * (إنه لقول رسول كريم) * (الحاقة: 40) أتبعه بقوله: * (تنزيل من رب العالمين) * حتى يزول الإشكال، وقرأ أبو السمال: تنزيلا، أي نزل تنزيلا.
ثم قال تعالى:
* (ولو تقول علينا بعض الاقاويل) *.
قرىء: * (ولو تقول) * على البناء للمفعول، التقول افتعال القول، لأن فيه تكلفا من المفتعل، وسمي الأقوال المنقولة أقاويل تحقيرا لها، كقولك الأعاجيب والأضاحيك، كأنها جمع أفعولة من القول، والمعنى ولو نسب إلينا قولا لم نقله.
ثم قال تعالى:
* (لأخذنا منه باليمين * ثم لقطعنا منه الوتين) *.
وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: في الآية وجوه الأول: معناه لأخذنا بيده، ثم لضربنا رقبته، وهذا ذكره على سبيل التمثيل بما يفعله الملوك بمن يتكذب عليهم، فإنهم لا يمهلونه، بل يضربون رقبته في الحال، وإنما خص اليمين بالذكر، لأن القتال إذا أراد أن يوقع الضرب في قفاه أخذ بيساره، وإذا أراد أن يوقعه في جيده وأن يلحقه بالسيف، وهو أشد على المعمول به ذلك العمل لنظره إلى السيف أخذ بيمينه، ومعناه: لأخذنا بيمينه، كما أن قوله: * (لقطعنا منه الوتين) * لقطعنا وتينه وهذا تفسير بين وهو منقول عن الحسن البصري القول الثاني: أن اليمين بمعنى القوة والقدرة وهو قول الفراء والمبرد والزجاج، وأنشدوا قول الشماخ: إذا ما راية رفعت لمجد * تلقاها عرابة باليمين والمعنى لأخذ منه اليمين، أي سلبنا عنه القوة، والباء على هذا التقدير صلة زائدة، قال ابن قتيبة: وإنما قام اليمين مقام القوة، لأن قوة كل شيء في ميامنه والقول الثالث: قال مقاتل: * (لأخذنا منه باليمين) * (الصافات: 28) يعني انتقمنا منه بالحق، واليمين على هذا القول بمعنى الحق، كقوله تعالى: * (إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين) * أي من قبل الحق.