وجوه أحدها: أنها تكفت أحياء على ظهرها وأمواتا في بطنها والمعنى أن الأحياء يسكنون في منازلهم والأموات يدفنون في قبورهم، ولهذا كانوا يسمون الأرض أما لأنها في ضمها للناس كالأم التي تضم ولدها وتكفله، ولما كانوا يضمون إليها جعلت كأنها تضمهم وثانيها: أنها كفات الأحياء بمعنى أنها تكفت ما ينفصل الأحياء من الأمور المستقذرة، فأما أنها تكفت (الأحياء) حال كونهم على ظهرها فلا وثالثها: أنها كفات الأحياء بمعنى أنها جامعة لما يحتاج الإنسان إليه في حاجاته من مأكل ومشرب، لأن كل ذلك يخرج من الأرض والأبنية الجامعة للمصالح الدافعة للمضار مبنية منها ورابعها: أن قوله: * (أحياء وأمواتا) * معناه راجع إلى الأرض، والحي ما أنبت والميت ما لم ينبت، بفي في الآية سؤالان: الأول: لم قيل: * (أحياء وأمواتا) * على التنكير وهي كفات الأحياء والأموات جميعا؟ الجواب: هو من تنكير التفخيم، كأنه قيل: تكفت أحياء لا يعدون، وأمواتا لا يحصرون.
السؤال الثاني: هل تدل هذه الآية على وجوب قطع النباش؟ الجواب: نقل القفال أن ربيعة قال: دلت الآية على أن الأرض كفات الميت فتكون حرزا له، والسارق، من الحرز يجب عليه القطع. النوع الثاني: من النعم المذكورة في هذه الآية قوله تعالى: * (وجعلنا فيها رواسي شامخات) * فقوله: * (رواسي) * أي ثوابت على ظهر الأرض لا تزول و * (شامخات) * أي عاليات، وكل عال فهو شامخ، ويقال: للمتكبر شامخ بأنفه، ومنافع خلقة الجبال قد تقدمت في هذا الكتاب.
النوع الثالث: من النعم قوله تعالى: * (وأسقيناكم ماء فراتا) * الفرات هو الغاية في العذوبة، وقد تقدم تفسيره في قوله: * (هذا عذاب فرات) *.
* (انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون * انطلقوا إلى ظل ذى ثلاث شعب * لا ظليل ولا يغنى من اللهب * إنها ترمى بشرر كالقصر * كأنه جمالة صفر * ويل يومئذ للمكذبين *) *.
اعلم أن هذا هو النوع الخامس: من وجوه تخويف الكفار وهو بيان كيفية عذابهم في الآخرة فأما قوله: * (انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون) * فالمعنى أنه يقال لهم: * (انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون) * من العذاب، والظاهر أن القائلين هم خزنة النار * (وانطلقوا) * الثاني تكرير، وقرأ