المتبدل، فهذا الإنسان عبارة عن ذلك الشيء الذي هو باق من أول عمره إلى الآن، فلم لا يجوز أن يقال: إنه وإن بقيت هذه الجثة في الماء إلا أن الله تعالى نقل تلك الأجزاء الأصلية الباقية التي كان الإنسان المعين عبارة عنها إلى النار والعذاب.
ثم قال تعالى: * (فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا) * وهذا تعريض بأنهم إنما واظبوا على عبادة تلك الأصنام لتكون دافعة للآفات عنهم جالبة للمنافع إليهم، فلما جاءهم عذاب الله لم ينتفعوا بتلك الأصنام، وما قدرت تلك الأصنام على دفع عذاب الله عنهم، وهو كقوله: * (أم لهم آلهة تمنعهم من دوننا) * واعلم أن هذه الآية حجة على كل من عول على شيء غير الله تعالى.
قوله تعالى * (وقال نوح رب لا تذر على الارض من الكافرين ديارا) *.
قال المبرد: * (ديارا) * لا تستعمل إلا في النفي العام، يقال: ما بالدار ديار ولا تستعمل في جانب الإثبات، قال أهل العربية: هو فيعال من الدور، وأصله ديوار فقلبت الواو ياء وأدغمت إحداهما في الأخرى، قال الفراء والزجاج: وقال ابن قتيبة: ما بها ديار أي نازل دار.
ثم قال تعالى:
* (إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا) *.
فإن قيل: كيف عرف نوح عليه السلام ذلك؟ قلنا: للنص والاستقراء، أما النص فقوله تعالى: * (إنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن) * وأما الاستقراء فهو أنه لبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما فعرف طباعهم وجربهم، وكان الرجل منهم ينطلق بابنه إليه ويقول: احذر هذا فإنه كذاب، وإن أبي أوصاني بمثل هذه الوصية، فيموت الكبير وينشأ الصغير على ذلك، وقوله: * (ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا) * فيه وجهان: أحدهما: أنهم يكونون في علمك كذلك والثاني: أنهم سيصيرون كذلك.
قوله تعالى * (رب اغفر لى ولوالدى ولمن دخل بيتى مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات ولا تزد الظالمين إلا تبارا) *.
واعلم أنه عليه السلام لما دعا على الكفار قال بعده: * (رب اغفر لي) * أي فيما صدر عني من ترك الأفضل، ويحتمل أنه حين دعا على الكفار إنما دعا عليهم بسبب تأذيه منهم، فكان ذلك الدعاء عليهم كالانتقام فاستغفر عن ذلك لما فيه من طلب حظ النفس.
ثم قال: * (ولوالدي) * أبوه لمك بن متوشلخ وأمه شمخاء بنت أنوش وكانا مؤمنين، وقال عطاء: لم يكن بين نوح وآدم عليهما السلام من آبائه كافر، وكان بينه وبين آدم عشرة آباء. وقرأ الحسن بن علي (ولولدي) يريد ساما وحاما.