بكثير، فيلزم أن يكون الله تعالى شيئا حقيرا بالنسبة إلى العرش، وذلك باتفاق أهل الإسلام محال، ولأنه تعالى قال: * (قل لمن ما في السماوات والأرض قل لله) * (الأنعام: 12) فلو كان الله في السماء لوجب أن يكون مالكا لنفسه وهذا محال، فعلمنا أن هذه الآية يجب صرفها عن ظاهرها إلى التأويل، ثم فيه وجوه: أحدها: لم لا يجوز أن يكون تقدير الآية: أأمنتم من في السماء عذابه، وذلك لأن عادة الله تعالى جارية، بأنه إنما ينزل البلاء على من يكفر بالله ويعصيه من السماء فالسماء موضع عذابه تعالى، كما أنه موضع نزول رحمته ونعمته وثانيها: قال أبو مسلم: كانت العرب مقرين بوجود الإله، لكنهم كانوا يعتقدون أنه في السماء على وفق قول المشبهة، فكأنه تعالى قال لهم: أتأمنون من قد أقررتم بأنه في السماء، واعترفتم له بالقدرة على ما يشاء أن يخسف بكم الأرض وثالثها: تقدير الآية: من في السماء سلطانه وملكه وقدرته، والغرض من ذكر السماء تفخيم سلطان الله وتعظيم قدرته، كما قال: * (وهو الله في السماوات وفي الأرض) * (الأنعام: 3) فإن الشيء الواحد لا يكون دفعة واحدة في مكانين، فوجب أن يكون المراد من كونه في السماوات وفي الأرض نفاذ أمره وقدرته، وجريان مشيئته في السماوات وفي الأرض، فكذا ههنا ورابعها: لم لا يجوز أن يكون المراد بقوله: * (من في السماء) * الملك الموكل بالعذاب، وهو جبريل عليه السلام، والمعنى أن يخسف بهم الأرض بأمر الله وإذنه.
وقوله: * (فإذا هي تمور) * قالوا معناه: إن الله تعالى يحرك الأرض عند الخسف بهم حتى تضطرب وتتحرك، فتعلو عليهم وهم يخسفون فيها، فيذهبون والأرض فوقهم تمور، فتلقيهم إلى أسفل السافلين، وقد ذكرنا تفسير المور فيما تقدم.
* (أم أمنتم من فى السمآء أن يرسل عليكم حاصبا فستعلمون كيف نذير) *.
ثم زاد في التخويف فقال: * (أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا) *. قال ابن عباس: كما أرسل على قوم لوط فقال: * (إنا أرسلنا عليهم حاصبا) * (القمر: 34) والحاصب ريح فيها حجارة وحصباء، كأنها تقلع الحصباء لشدتها، وقيل: هو سحاب فيها حجارة. ثم هدد وأوعد فقال: * (فستعلمون كيف نذير) *. قيل في النذير ههنا إنه المنذر، يعني محمدا عليه الصلاة والسلام وهو قول عطاء عن ابن عباس والضحاك، والمعنى فستعلمون رسولي وصدقه، لكن حين لا ينفعكم ذلك، وقيل: إنه بمعنى الإنذار، والمعنى فستعلمون عاقبة إنذاري إياكم بالكتاب والرسول، و (كيف) في قوله: * (كيف نذير) * ينبئ عما ذكرنا من صدق الرسول وعقوبة الإنذار.
واعلم أنه تعالى لما خوف الكفار بهذه التخويفات أكد ذلك التخويف بالمثال والبرهان أما المثال فهو أن الكفار الذين كانوا قبلهم شاهدوا أمثال هذه العقوبات بسبب كفرهم فقال: