على الفرق بأن ههنا لما قال: * (إنه لقول رسول كريم) * ذكر بعده أنه ليس بقول شاعر، ولا كاهن، والقوم ما كانوا يصفون جبريل عليه السلام بالشعر والكهانة، بل كانوا يصفون محمدا بهذين الوصفين. وأما في سورة: * (إذا الشمس كورت) * لما قال: * (إنه لقول رسول كريم) * ثم قال بعده: * (وما هو بقول شيطان رجيم) * (التكوير: 25) كان المعنى: إنه قول ملك كريم، لا قول شيطان رجيم، فصح أن المراد من الرسول الكريم ههنا هو محمد صلى الله عليه وسلم، وفي تلك السورة هو جبريل عليه السلام، وعند هذا يتوجه السؤال: أن الأمة مجمعة على أن القرآن كلام الله تعالى، وحينئذ يلزم أن يكون الكلام الواحد كلاما لله تعالى، ولجبريل ولمحمد، وهذا غير معقول والجواب: أنه يكفي في صدق الإضافة أدنى سبب، فهو كلام الله تعالى، بمعنى أنه تعالى هو الذي أظهره في اللوح المحفوظ، وهو الذي رتبه ونظمه، وهو كلام جبريل عليه السلام، بمعنى أنه هو الذي أنزله من السماوات إلى الأرض، وهو كلام محمد، بمعنى أنه هو الذي أظهره للخلق، ودعا الناس إلى الإيمان به، وجعله حجة لنبوته.
ثم قال تعالى:
* (وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون * ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون) *.
وههنا مسائل:
المسألة الأولى: قرأ الجمهور: تؤمنون وتذكرون بالتاء المنقوطة من فوق على الخطاب إلا ابن كثير، فإنه قرأهما بالياء على المغايبة، فمن قرأ على الخطاب، فهو عطف على قوله: * (بما تبصرون ومالا تبصرون) * (الحاقة: 38، 39) ومن قرأ على المغايبة سلك فيه مسلك الالتفات. المسألة الثانية: قالوا: لفظة ما في قوله: * (قليلا ما تؤمنون... قليلا ما تذكرون) * لغو وهي مؤكدة، وفي قوله: * (قليلا) * وجهان الأول: قال مقاتل: يعني بالقليل أنهم لا يصدقون بأن القرآن من الله، والمعنى لا يؤمنون أصلا، والعرب يقولون: قلما يأتينا يريدون لا يأتينا الثاني: أنهم قد يؤمنون في قلوبهم، إلا أنهم يرجعون عنه سريعا ولا يتمون الاستدلال، ألا ترى إلى قوله: * (إنه فكر وقدر) * إلا أنه في آخر الأمر قال: * (إن هذا إلا سحر يؤثر) * (المدثر: 24).
المسألة الثالثة: ذكر في نفي الشاعرية * (قليلا ما تؤمنون) * وفي نفي الكاهنية * (ما تذكرون) * والسبب فيه كأنه تعالى قال: ليس هذا القرآن قولا من رجل شاعر، لأن هذا الوصف مباين لصنوف الشعر كلها إلا أنكم لا تؤمنون، أي لا تقصدون الإيمان، فلذلك تعرضون عن التدبر، ولو قصدتم الإيمان لعلمتم كذب قولكم: إنه شاعر، لمفارقة هذا التركيب ضروب الشعر، ولا