بواسطة إخبار الله تعالى، وهذا المقام مقام الاستدلال على كمال قدرة الله تعالى فلا يمكن إثباته بالسمع، أما لما قال: * (أنبتكم... نباتا) * على معنى أنبتكم فنبتم نباتا عجيبا كاملا كان ذلك وصفا للنبات بكونه عجيبا كاملا، وكون النبات كذلك أمر مشاهد محسوس، فيمكن الاستدلال به على كمال قدرة الله تعالى، فكان هذا موافقا لهذا المقام فظهر أن العدول من تلك الحقيقة إلى هذا المجاز كان لهذا السر اللطيف، أما قوله: * (ثم يعيدكم فيها) * فهو إشارة إلى الطريقة المعهودة في القرآن من أنه تعالى لما كان قادرا على الابتداء كان قادرا على الإعادة، وقوله: * (ويخرجكم إخراجا) * أكده بالمصدر كأنه قال: يخرجكم حقا لا محالة.
الدليل الرابع: قوله تعالى * (والله جعل لكم الارض بساطا * لتسلكوا منها سبلا فجاجا) *.
أي طرقا واسعة واحدها فج وهو مفسر فيما تقدم.
واعلم أن نوحا عليه السلام لما دعاهم إلى الله ونبههم على هذه الدلائل الظاهرة حكى عنهم أنواع قبائحهم وأقوالهم وأفعالهم.
* (قال نوح رب إنهم عصونى واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خسارا) *.
فالأول قوله: * (قال نوح رب إنهم عصوني) * وذلك لأنه قال في أول السورة * (أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعون) * (نوح: 3) فكأنه قال: قلت لهم أطيعون فهم عصوني.
الثاني قوله: * (واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خسارا) * وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: ذكر في الآية الأولى أنهم عصوه وفي هذه الآية أنهم ضموا إلى عصيانه معصية أخرى وهي طاعة رؤسائهم الذين يدعونهم إلى الكفر، وقوله: * (من لم يزده ماله وولده إلا خسارا) * يعني هذان وإن كانا من جملة المنافع في الدنيا إلا أنهما لما صارا سببا للخسارة في الآخرة فكأنهما صارا محض الخسار والأمر كذلك في الحقيقة لأن الدنيا في جنب الآخرة كالعدم فإذا صارت المنافع الدنيوية أسبابا للخسار في الآخرة صار ذلك جاريا مجرى اللقمة الواحدة من الحلو إذا كانت مسمومة سم الوقت، واستدل بهذه الآية من قال: إنه ليس لله على الكافر نعمة لأن هذه النعم استدراجات ووسائل إلى العذاب الأبدي فكانت كالعدم، ولهذا المعنى قال نوح عليه السلام في هذه الآية: * (لم يزده ماله وولده إلا خسارا) *.
المسألة الثانية: قرىء * (وولده) * بضم الواو واعلم أن الولد بالضم لغة في الولد، ويجوز أن يكون جمعا إما جمع ولد كالفلك، وههنا يجوز أن يكون واحدا وجمعا.