المسألة الخامسة: وصف اليوم بالعبوس مجازا على طريقتين أحدهما: أن يوصف بصفة أهله من الأشقياء كقولهم: نهارك صائم، روي أن الكافر يحبس حتى يسيل من بين عينيه عرق مثل القطران والثاني: أن يشبه في شدته وضراوته بالأسد العبوس أو بالشجاع الباسل.
المسألة السادسة: قال الزجاج: جاء في التفسير أن قمطريرا معناه تعبيس الوجه، فيجتمع ما بين العينين، قال: وهذا سائغ في اللغة يقال: اقمطرت الناقة إذا رفعت ذنبها وجمعت قطريها ورمت بأنفها يعني أن معنى قمطر في اللغة جمع، وقال الكلبي: قمطريرا يعني شديدا وهو قول الفراء وأبي عبيدة والمبرد وابن قتيبة، قالوا: يوم قمطرير، وقماطر إذا كان صعبا شديدا أشد ما يكون من الأيام وأطوله في البلاء، قال الواحدي: هذا معنى والتفسير هو الأول.
* (فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسرورا) *.
اعلم أنه تعالى لما حكى عنهم أنهم أتوا بالطاعات لغرضين طلب رضا الله والخوف من القيامة بين في هذه الآية أنه أعطاهم هذين الغرضين، أما الحفظ من هول القيامة، فهو المراد بقوله: * (فوقاهم الله شر ذلك اليوم) * وسمى شدائدها شرا توسعا على ما علمت، واعلم أن هذه الآية أحد ما يدل على أن شدائد الآخرة لا تصل إلا إلى أهل العذاب، وأما طلب رضاء الله تعالى فأعطاهم بسببه نضرة في الوجه وسرورا في القلب، وقد مر تفسير * (ولقاهم) * في قوله: * (ويلقون فيها تحية) * (الفرقان: 75) وتفسير النضرة في قوله: * (وجوه يومئذ ناضرة) * (القيامة: 23) والتنكير في * (سرورا) * للتعظيم والتفخيم.
* (وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا * متكئين فيها على الارائك لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا) *.
والمعنى وجزاهم بصبرهم على الإيثار وما يؤدي إليه من الجوع والعري، بستانا فيه مأكل هنيء وحريرا فيه ملبس بهي، ونظيره قوله تعالى: * (ولباسهم فيها حرير) * (الحج: 23) أقول: وهذا يدل على أن المراد من قوله: * (إنما نطعمكم) * (الإنسان: 9) ليس هو الإطعام فقط بل جميع أنواع المواساة من الطعام والكسوة، ولما ذكر تعالى طعامهم ولباسهم، وصف مساكنهم، ثم إن المعتبر في المساكن أمور: أحدها: الموضع الذي يجلس فيه فوصفه بقوله: * (متكئين فيها على الأرائك) * وهي السرر في الحجال، ولا تكون أريكة إلا إذا اجتمعت، وفي نصب متكئين وجهان الأول: قال الأخفش: إنه نصب على الحال، والمعنى وجزاهم جنة في حال اتكائهم كما تقول: جزاهم ذلك قياما، والثاني: قال الأخفش: وقد يكون على المدح.