عنه بأنه تعالى وعد أهل الإيمان بأن لا يخزيهم، والذين آمنوا ابتداء كلام، وخبره * (يسعى) *، أو * (لا يخزي الله) *، ثم من أهل السنة من يقف على قوله: * (يوم لا يخزي الله النبي) * أي لا يخزيه في رد الشفاعة، والإخزاء الفضيحة، أي لا يفضحهم بين يدي الكفار، ويجوز أن يعذبهم على وجه لا يقف عليه الكفرة، وقوله: * (بين أيديهم) * أي عند المشي * (وبأيمانهم) * عند الحساب، لأنهم يؤتون الكتاب بأيمانهم وفيه نور وخير، ويسعى النور بين أيديهم في موضع وضع الأقدام وبأيمانهم، لأن خلفهم وشمالهم طريق الكفرة.
وقوله تعالى: * (يقولون ربنا أتمم لنا نورنا) * قال ابن عباس: يقولون ذلك عند إطفاء نور المنافقين إشفاقا، وعن الحسن: أنه تعالى متمم لهم نورهم، ولكنهم يدعون تقربا إلى حضرة الله تعالى، كقوله: * (واستغفر لذنبك) * (محمد: 19) وهو مغفور، وقيل: أدناهم منزلة من نوره بقدر ما يبصر مواطئ قدمه، لأن النور على قدر الأعمال فيسألون إتمامه، وقيل: السابقون إلى الجنة يمرون مثل البرق على الصراط، وبعضهم كالريح، وبعضهم حبوا وزحفا، فهم الذين يقولون: * (ربنا أتمم لنا نورنا) * قاله في " الكشاف "، وقوله تعالى: * (يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين) * ذكر المنافقين مع أن لفظ الكفار يتناول المنافقين * (واغلظ عليهم) * أي شدد عليهم، والمجاهدة قد تكون بالقتال، وقد تكون بالحجة تارة باللسان، وتارة بالسنان، وقيل: جاهدهم بإقامة الحدود عليهم، لأنهم هم المرتكبون الكبائر، لأن أصحاب الرسول عصموا منها * (ومأواهم جهنم) * وقد مر بيانه، وفي الآية مباحث: البحث الأول: كيف تعلق * (يا أيها الذين آمنوا) * بما سبق وهو قوله: * (يا أيها الذين كفروا) * (التحريم: 7)؟ فنقول: نبههم تعالى على دفع العذاب في ذلك اليوم بالتوبة في هذا اليوم، إذ في ذلك اليوم لا تفيد وفيه لطيفة: وهي أن التنبيه على الدفع بعد الترهيب فيما مضى يفيد الترغيب بذكر أحوالهم والإنعام في حقهم وإكرامهم. البحث الثاني: أنه تعالى لا يخزي النبي في ذلك اليوم ولا الذين آمنوا، فما الحاجة إلى قوله * (معه) *؟ فنقول: هي إفادة الاجتماع، يعني لا يخزي الله المجموع الذي يسعى نورهم وهذه فائدة عظيمة، إذ الاجتماع بين الذين آمنوا وبين نبيهم تشريف في حقهم وتعظيم.
البحث الثالث: قوله: * (واغفر لنا) * يوهم أن الذنب لازم لكل واحد من المؤمنين والذنب لا يكون لازما، فنقول: يمكن أن يكون طلب المغفرة لما هو اللازم لكل ذنب، وهو التقصير في الخدمة والتقصير لازم لكل واحد من المؤمنين.
البحث الرابع: قال تعالى في أول السورة: * (يا أيها النبي لم تحرم) * (التحريم: 1) ومن بعده * (يا أيها النبي جاهد الكفار) * خاطبه بوصفه وهو النبي لا باسمه كقوله لآدم يا آدم، ولموسى يا موسى ولعيسى يا عيسى، نقول: خاطبه بهذا الوصف، ليدل على فضله عليهم وهذا ظاهر.