أن يترك سدى) * (القيامة: 36) ونظيره قوله: * (إن الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى) * (طه: 15) وقوله: * (أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار) * (ص: 28) وتقريره أن إعطاء القدرة والآلة والعقل بدون التكليف والأمر بالطاعة والنهي عن المفاسد يقتضي كونه تعالى راضيا بقبائح الأفعال، وذلك لا يليق بحكمته، فإذا لا بد من التكليف والتكليف لا يحسن ولا يليق بالكريم الرحيم إلا إذا كان هناك دار الثواب والبعث والقيامة. الدليل الثاني: على صحة القول بالحشر الاستدلال بالخلقة الأولى على الإعادة، وهو المراد من قوله تعالى.
* (ألم يك نطفة من منى يمنى) *.
وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: النطفة هي الماء القليل وجمعها نطاف ونطف، يقول: ألم يك ماء قليلا في صلب الرجل وترائب المرأة؟ وقوله: * (من مني يمنى) * أي يصب في الرحم، وذكرنا الكلام في يمنى عند قوله: * (من نطفة إذا تمنى) * (النجم: 46) وقوله: * (أفرأيتم ما تمنون) * (الواقعة: 58) فإن قيل: ما الفائدة في يمنى في قوله: * (من مني يمنى) *؟ قلنا: فيه إشارة إلى حقارة حاله، كأنه قيل: إنه مخلوق من المني الذي جرى على مخرج النجاسة، فلا يليق بمثل هذا الشيء أن يتمرد عن طاعة الله تعالى إلا أنه عبر عن هذا المعنى، على سبيل الرمز كما في قوله تعالى في عيسى ومريم: * (كانا يأكلان الطعام) * (المائدة: 75) والمراد منه قضاء الحاجة.
المسألة الثانية: في يمنى في هذه السورة قراءتان التاء والياء، فالتاء للنطفة، على تقدير ألم يك نطفة تمنى من المني، والياء للمني من مني يمنى، أي يقدر خلق الإنسان منه.
* (ثم كان علقة فخلق فسوى) *.
قوله تعالى: * (ثم كان علقة) * أي الإنسان كان علقة بعد النطفة.
أما قوله تعالى: * (فخلق فسوى) * ففيه وجهان الأول: فخلق فقدر فسوى فعدل الثاني: فخلق، أي فنفخ فيه الروح، فسوى فكمل أعضاءه، وهو قول ابن عباس ومقاتل.
* (فجعل منه الزوجين الذكر والانثى * أليس ذلك بقادر على أن يحيى الموتى) *.
ثم قال تعالى: * (فجعل منه) * أي من الإنسان * (الزوجين) * يعني الصنفين. ثم فسرهما فقال: * (الذكر والأنثى * أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى) * والمعنى أليس ذلك الذي أنشأ هذه الأشياء بقادر على الإعادة، روي أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأها قال: سبحانك بلى والحمد لله رب العالمين. وصلاته على سيدنا محمد سيد المرسلين وآله وصحبه وسلم.