أشد وثالثها: أن هذه الأسورة من الفضة إنما تكون للوالدان الذين هم الخدم وأسورة الذهب للناس. السؤال الثاني: السوار إنما يليق بالنساء وهو عيب للرجال، فكيف ذكر الله تعالى ذلك في معرض الترغيب؟ الجواب: أهل الجنة جرد مرد شباب فلا يبعد أن يحلوا ذهبا وفضة وإن كانوا رجالا، وقيل: هذه الأسورة من الفضة والذهب إنما تكون لنساء أهل الجنة وللصبيان فقط، ثم غلب في اللفظ جانب التذكير، وفي الآية وجه آخر، وهو أن آلة أكثر الأعمال هي اليد وتلك الأعمال والمجاهدات هي التي يتوسل بها إلى تحصيل المعارف الإلهية والأنوار الصمدية، فتكون تلك الأعمال جارية مجرى الذهب والفضة التي يتوسل بهما إلى تحصيل المطالب، فلما كانت تلك الأعمال صادرة من اليد كانت تلك الأعمال جارية مجرى سوار الذهب والفضة، فسميت الأعمال والمجاهدات بسوار الذهب والفضة، وعبر عن تلك الأنوار الفائضة عن الحضرة الصمدية بقوله: * (وسقاهم ربهم شرابا طهورا) * وبالجملة فقوله: * (وحلوا أساور من فضة) * إشارة إلى قوله: * (والذين جاهدوا فينا) * وقوله: * (وسقاهم ربهم شرابا طهورا) * إشارة إلى قوله: * (لنهدينهم سبلنا) * فهذا احتمال خطر بالبال، والله أعلم بمراده.
قوله تعالى: * (وسقاهم ربهم شرابا طهورا) * الطهور فيه قولان: الأول: المبالغة في كونه طاهرا، ثم فيه على هذا التفسير احتمالات أحدها: أنه لا يكون نجسا كخمر الدنيا وثانيها: المبالغة في البعد عن الأمور المستقذرة يعني ما مسته الأيدي الوضرة، وما داسته الأقدام الدنسة وثالثها: أنها لا تؤول إلى النجاسة لأنها ترشح عرقا من أبدانهم له ريح كريح المسك القول الثاني: في الطهور أنه المطهر، وعلى هذا التفسير أيضا في الآية احتمالان أحدهما: قال مقاتل: هو عين ماء على باب الجنة تنبع من ساق شجرة من شرب منها نزع الله ما كان في قلبه من غل وغش وحسد، وما كان في جوفه من قذر وأذى وثانيهما: قال أبو قلابة: يؤتون الطعام والشراب فإذا كان في آخر ذلك أتوا بالشراب الطهور، فيشربون فتطهر بذلك بطونهم، ويفيض عرق من جلودهم مثل ريح المسك، وعلى هذين الوجهين يكون الطهور، مطهرا لأنه يطهر باطنهم عن الأخلاق الذميمة، والأشياء المؤذية، فإن قيل: قوله تعالى: * (وسقاهم ربهم) * هو عين ما ذكر تعالى قبل ذلك من أنهم يشربون من عين الكافور، والزنجبيل، والسلسبيل أو هذا نوع آخر؟ قلنا: بل هذا نوع آخر، ويدل عليه وجوه أحدها: دفع التكرار وثانيها: أنه تعالى أضاف هذا الشراب إلى نفسه، فقال: * (وسقاهم ربهم) * وذلك يدل على فضل في هذا دون غيره وثالثها: ما روينا أنه تقدم إليهم الأطعمة والأشربة، فإذا فرغوا منها أتوا بالشراب الطهور فيشربون،