* (ولقد كذب الذين من قبلهم فكيف كان نكير) *.
يعني عادا وثمود وكفار الأمم، وفيه وجهان أحدهما: قال الواحدي: * (فكيف كان نكير) * أي إنكاري وتغييري، أليس وجدوا العذاب حقا والثاني: قال أبو مسلم:
النكير عقاب المنكر، ثم قال: وإنما سقط الياء من نذيري، ومن نكيري حتى تكون مشابهة لرؤوس الآي المتقدمة عليها، والمتأخرة عنها. وأما البرهان فهو أنه تعالى ذكر ما يدل على كمال قدرته، ومتى ثبت ذلك ثبت كونه تعالى قادرا على إيصال جميع أنواع العذاب إليهم؛ وذلك البرهان من وجوه:
* (أو لم يروا إلى الطير فوقهم صافات ويقبضن ما يمسكهن إلا الرحمان إنه بكل شىء بصير) *.
البرهان الأول: هو قوله تعالى: * (أو لم يروا إلى الطير فوقهم صافات ويقبضن) *. * (صافات) * أي باسطات أجنحتهن في الجو عند طيرانها * (ويقبضن) * ويضممنها إذا ضربن بها جنوبهن.
فإن قيل لم قال: * (ويقبضن) * ولم يقل وقابضات، قلنا: لأن الطيران في الهواء كالسباحة في الماء، والأصل في السباحة مد الأطراف وبسطها وأما القبض فطارئ على البسط للاستظهار به على التحرك، فجيء بما هو طارئ غير أصلي بلفظ الفعل على معنى أنهن صافات، ويكون منهن القبض تارة بعد تارة، كما يكون من السابح.
ثم قال تعالى: * (ما يمسكهن إلا الرحمن) * وذلك لأنها مع ثقلها وضخامة أجسامها لم يكن بقاؤها في جو الهواء إلا بإمساك الله وحفظه، وههنا سؤالان: السؤال الأول: هل تدل هذه الآية على أن الأفعال الاختيارية للعبد مخلوقة لله، قلنا: نعم، وذلك لأن استمساك الطير في الهواء فعل اختياري للطير.
ثم إنه تعالى قال: * (ما يمسكهن إلا الرحمن) * فدل هذا على أن فعل العبد مخلوق لله تعالى.
السؤال الثاني: أنه تعالى قال في النحل (79): * (ألم يروا إلى الطير مسخرات في جو السماء ما يمسكهن إلا الله) * وقال ههنا: * (ما يمسكهن إلا الرحمن) * فما الفرق؟ قلنا: ذكر في النحل أن الطير مسخرات في جو السماء فلا جرم كان إمساكها هناك محض الإلهية، وذكر ههنا أنها صافات وقابضات، فكان إلهامها إلى كيفية البسط، والقبض على الوجه المطابق للمنفعة من رحمة الرحمن. ثم قال تعالى: * (إنه بكل شيء بصير) * وفيه وجهان الوجه الأول: المراد من البصير، كونه عالما بالأشياء الدقيقة، كما يقال: فلان بصر في هذا الأمر، أي حذق والوجه الثاني: أن نجري اللفظ على ظاهره فنقول: إنه تعالى شيء، والله بكل شيء بصير، فيكون رائيا لنفسه ولجميع الموجودات، وهذا هو الذي يقوله أصحابنا من أنه تعالى يصح أن يكون مرئيا وأن كل