آخر * (سبح لله ما في السماوات والأرض) * (الحديد: 1) فما الحكمة فيه؟ قلنا: الحكمة لا بد منها، ولا نعلمها كما هي، لكن نقول: ما يخطر بالبال، وهو أن مجموع السماوات والأرض شيء واحد، وهو عالم مؤلف من الأجسام الفلكية والعنصرية، ثم الأرض من هذا المجموع شيء والباقي منه شيء آخر، فقوله تعالى: * (يسبح لله ما في السماوات وما في الأرض) * بالنسبة إلى هذا الجزء من المجموع وبالنسبة إلى ذلك الجزء منه كذلك، وإذا كان كذلك فلا يبعد أن يقال، قال تعالى في بعض السور كذا وفي البعض هذا ليعلم أن هذا العالم الجسماني من وجه شيء واحد، ومن وجه شيئان بل أشياء كثيرة، والخلق في المجموع غير ما في هذا الجزء، وغير ما في ذلك أيضا ولا يلزم من وجود الشيء في المجموع أن يوجد في كل جزء من أجزائه إلا بدليل منفصل، فقوله تعالى: * (سبح لله ما في السماوات وما في الأرض) * على سبيل المبالغة من جملة ذلك الدليل لما أنه يدل على تسبيح ما في السماوات وعلى تسبيح ما في الأرض، كذلك بخلاف قوله تعالى: * (سبح لله ما في السماوات والأرض) *.
ثم قال تعالى:
* (هو الذى خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن والله بما تعملون بصير * خلق السماوات ولارض بالحق وصوركم فأحسن صوركم وإليه المصير * يعلم ما فى السماوات والارض ويعلم ما تسرون وما تعلنون والله عليم بذات الصدور) *.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: إنه تعالى خلق بني آدم مؤمنا وكافرا، ثم يعيدهم يوم القيامة كما خلقهم مؤمنا وكافرا، وقال عطاء: إنه يريد فمنكم مصدق، ومنكم جاحد، وقال الضحاك: مؤمن في العلانية كافر في السر كالمنافق، وكافر في العلانية مؤمن في السر كعمار بن ياسر، قال الله تعالى: * (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان) * (النحل: 106) وقال الزجاج: فمنكم كافر بأنه تعالى خلقه، وهو من أهل الطبائع والدهرية، ومنكم مؤمن بأنه تعالى خلقه كما قال: * (قتل الإنسان ما أكفره * من أي شيء خلقه) * (عيس: 17، 18) وقال: * (أكفرت بالذي خلقك من تراب، ثم من نطفة) * (الكهف: 37) وقال أبو إسحاق: خلقكم في بطون أمهاتكم كفارا ومؤمنين، وجاء في بعض التفاسير أن يحي خلق في بطن أمه مؤمنا وفرعون خلق في بطن أمه كافرا، دل عليه قوله تعالى: * (إن الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من الله) * وقوله تعالى: * (والله بما تعملون بصير) * أي عالم بكفركم