الثاني: المنافقون لم يكونوا إلا على الكفر الثابت الدائم، فما معنى قوله تعالى: * (آمنوا ثم كفروا) *؟ نقول: قال في " الكشاف " ثلاثة أوجه أحدها: * (آمنوا) * نطقوا بكلمة الشهادة، وفعلوا كما يفعل من يدخل في الإسلام * (ثم كفروا) * ثم ظهر كفرهم بعد ذلك وثانيها: * (آمنوا) * نطقوا بالإيمان عند المؤمنين * (ثم كفروا) * نطقوا بالكفر عند شياطينهم استهزاء بالإسلام كقوله تعالى: * (وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا) * وثالثها: أن يراد أهل الذمة منهم. الثالث: الطبع على القلوب لا يكون إلا من الله تعالى، ولما طبع الله على قلوبهم لا يمكنهم أن يتدبروا ويستدلوا بالدلائل، ولو كان كذلك لكان هذا حجة لهم على الله تعالى، فيقولون: إعراضنا عن الحق لغفلتنا، وغفلتنا بسبب أنه تعالى طبع على قلوبنا، فنقول: هذا الطبع من الله تعالى لسوء أفعالهم، وقصدهم الإعراض عن الحق، فكأنه تعالى تركهم في أنفسهم الجاهلة وأهوائهم الباطلة.
ثم قال تعالى:
* (وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون * وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رءوسهم ورأيتهم يصدون وهم مستكبرون * سوآء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم إن الله لا يهدى القوم الفاسقين) *.
اعلم أن قوله تعالى: * (وإذا رأيتهم) * يعني عبد الله بن أبي، ومغيث بن قيس، وجد بن قيس، كانت لهم أجسام ومنظر، تعجبك أجسامهم لحسنها وجمالها، وكان عبد الله بن أبي جسيما صبيحا فصيحا، وإذا قال: سمع النبي صلى الله عليه وسلم قوله، وهو قوله تعالى: * (وإن يقولوا تسمع لقولهم) * أي ويقولوا: إنك لرسول الله تسمع لقولهم، وقرئ يسمع على البناء للمفعول، ثم شبههم بالخشب المسندة، وفي الخشب التخفيف كبدنة وبدن وأسد وأسد، والتثقيل كذلك كثمرة وثمر، وخشبة